فتاوي السبكي (صفحة 1019)

لِأَنَّ إعْتَاقَهُ تَنْفِيذٌ لِعِتْقِ الْأَبِ وَتَعْجِيلٌ لِمَا أَخَّرَهُ وَلِذَلِكَ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْأَبِ وَالْمَيِّتُ لَا يَسْرِي عَلَيْهِ وَالثَّانِي يَسْرِي وَيَقُومُ عَلَى الْمُبَاشِرِ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْأَبِ فَإِنَّ وَلَاءَ هَذَا النِّصْفِ لِلْمُعْتِقِ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ: أَعْتِقْ نَصِيبَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَيَكُونُ الْعِتْقُ قَدْ وَقَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي السَّائِلِ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَالتَّقْوِيمُ عَلَى الْمُبَاشِرِ لِلْعِتْقِ.

قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي الطَّبَرِيِّ، وَطَرَدَهُ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِشَرِيكِهِ: أَعْتِقْ نَصِيبَكَ عَنِّي فَأَعْتَقَهُ سَرَى إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلسَّائِلِ وَالْغُرْمُ عَلَى الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ بِالسُّؤَالِ.

وَخَالَفَهُمْ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ عَلَى الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ عَنْهُ، وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَالَهُ هُوَ وَالرَّافِعِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي السِّرَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَبْدٌ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ فَقَالَ رَجُلٌ لِأَحَدِهِمَا: أَعْتِقْ نَصِيبَك عَنِّي عَلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَجَابَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ عَنْ الْمُسْتَدْعَى فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ.

لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ إذَا وَكَّلَ أَحَدُهُمَا شَرِيكَهُ فِي إعْتَاقِ نَصِيبِهِ فَأَعْتَقَهُ أَنَّ وَلَاءَ نَصِيبِ الْمُوَكِّلِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُبَاشَرَةُ وَالسَّبَبُ جَمِيعًا مِنْ الْوَكِيلِ وَلِهَذَا تَلِفَ نَصِيبُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ مِنْ غَيْرِهِ إذْ لَوْ كَانَ هُوَ بِتَوْكِيلِهِ سَبَبًا لَضَمَنَ فَلَمَّا لَمْ يَضْمَنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ شَرِيكَهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِعِتْقِ نَصِيبِ الْمُوَكِّلِ الْمُتَسَبِّبِ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ وَلَا يَنْتَسِبُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِسَبَبٍ وَلَا مُبَاشَرَةٍ وَلَك أَنْ تَقُولَ: يَنْتَسِبُ إلَيْهِ بِسَبَبٍ وَلَكِنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُتَقَدِّمَةٌ فَلِذَلِكَ أَحَلْنَا الْإِتْلَافَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَضْمَنْ.

هَذَا إنْ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ادَّعَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّ عِتْقَ الْجَمِيعِ يَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ وَجْهَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ بَعْدَ تَثَبُّتِ أَحَدِهِمَا تَقَعُ السِّرَايَةُ عَنْ الْمُسْتَدْعَى وَالثَّانِي عَنْ الْمُعْتِقِ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ الْغُرْمِ عَلَى السَّائِلِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَجْنَبِيًّا فِي أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبَهُ فَفَعَلَ فَقِيَاسُ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْغُرْمَ عَلَى الْوَكِيلِ، لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015