وَإِنْ حَلَّ قَوْلُهُ يُحْيِي عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ حَتَّى تَشْمَلَ الْحَيَاةُ مَا يَخُصُّ الْإِنْسَانَ مِنْ الْفَضَائِلِ كَالْعَقْلِ وَالْإِسْلَامِ وَالْعِلْمِ فَفِيهِ تَذْكِيرُ نِعْمَةٍ هِيَ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَمِنْ إطْلَاقَاتِ الْحَيَاةِ عَلَى الْفَضَائِلِ قَوْله تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122] .
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ إنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَإِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ الَّذِي يَمْنَعُ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ يَحْرُمُ الْكَلَامُ الَّذِي يَمْنَعُ اسْتِمَاعَ الْحَدِيثِ هَلْ هُوَ مُصِيبٌ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَوْلَ هَذَا الْقَائِلِ مَرْدُودٌ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ أَئِمَّةِ أُصُولِ الدِّينِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْأَزَلِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى فَهُوَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ؛ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ وَلَا يَصِحُّ اعْتِقَادُ ظَاهِرِ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ مِنْ حَقِيقَةِ التَّشْبِيهِ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فَإِنَّ الْقُرْآنَ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ لِلْقَدِيمِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُرُوفٌ، وَأَصْوَاتٌ حَادِثَةٌ صِفَةٌ لِحَادِثٍ وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي تَفْسِيرِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] أَنَّهُ لَيْسَ كَذَاتِهِ ذَاتٌ وَلَا كَاسْمِهِ اسْمٌ وَلَا كَفِعْلِهِ فِعْلٌ وَلَا كَصِفَتِهِ صِفَةٌ وَجَلَّتْ الذَّاتُ الْقَدِيمَةُ أَنْ تَكُونَ لَهَا صِفَةٌ حَادِثَةٌ