وَالْحَجُّ بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ؟ . أَجِبْ أَنْتَ بَحْرٌ وَالْعُلُومُ جَوَاهِرُهُ وَلَا غَرْوَ أَنْ يُبْدِيَ جَوَاهِرَهُ الْبَحْرُ فَلَا زَالَتْ الدُّنْيَا تَقُومُ بِأَهْلِهَا بَنُوهَا لَهَا عَجْزٌ، وَأَنْتَ لَهَا صَدْرُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُعْتَبَرٌ فِي التَّوَاتُرِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّهَادَةِ وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا بِالنِّسْبَةِ لِلرِّوَايَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ وَاسِعٌ، وَبَابَ الشَّهَادَةِ أَضْيَقُ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى اتِّسَاعِ بَابِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ فُورَكٍ وَسُلَيْمَانَ الرَّازِيّ قَبِلُوا رِوَايَةَ مَسْتُورِ الْعَدَالَةِ.
وَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَبِلَ رِوَايَةَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إذَا عُلِمَ مِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ؛ وَلِأَنَّهَا الْإِخْبَارُ عَنْ شَيْءٍ عَامٍّ لِلنَّاسِ فَلَيْسَ فِيهِ تُهْمَةٌ وَلَا عَدَاوَةٌ وَلَا ضَرَرٌ لِأَحَدٍ، وَلَا تَرَافُعَ فِيهِ إلَى الْحُكَّامِ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ضِيقِ بَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا اعْتِمَادُ الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا يَعْدِلُ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهِ إلَى ظَنٍّ قَرِيبٍ مِنْهُ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ فَقَالَ لِلسَّائِلِ تَرَى الشَّمْسَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَأَنَّهَا تَعَبُّدٌ فِيهَا بِلَفْظِهَا، وَأَنَّ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ وَالْأَعْدَاءِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَثُرُوا فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةٌ مُسْتَنَدُهَا إخْبَارُهُمْ إذْ الْفَرْعُ لَا يَكُونُ أَقْوَى