س 2: حاجٌّ من خارجِ المملكة، لا يعلمُ عن ظروفِ السفرِ وترتيباتِ التذاكر والطائرات، وسأل في بلده هل يمكنه الحجز الساعة الرابعة عصراً من يوم (13/ 12/1405 هـ)؟ قيل: يمكن ذلك، فحجز على هذا الموعد، ثم أدركه المبيت بمنى ليلةَ الثالث عشر، فهل يجوزُ له أن يرمي صباحاً ثم ينفرَ، علماً أنه لو تأخر بعد الزوال لفات السفر، وترتب عليه مشقةٌ كبيرةٌ، ومخالفةٌ لأولي الأمر؟
ج 2: لا يجوز له أن يرمي قبل الزوال، ولكن يُمكن أن نُسقطَ عنه الرميَ في هذه الحالِ للضرورة، ونقولُ له: يلزمك فديةٌ تذبحُها في منى أو في مكّة أو تُوكِل من يذبحُها عنك، وتوزّع على الفقراء، وتطوفُ طَوَافَ الوداع وتمشي.
ونقولُ: أمّا قولك إذا كان الجواب بعدم الجواز أليس هناك رأيٌ يجيزُ الرمي قبل الزوال؟ فالجواب: هناك رأيٌ يجيزُ الرمي قبل الزوال، ولكنه ليسَ بصحيح، والصوابُ أن الرمي قبل الزوال لا يجوزُ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «خُذوا عني مناسككم»، ولم يَرْمِ صلى الله عليه وسلّم إلا بعد الزوال.
فإن قال قائلٌ: رميُ النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الزوال مجرد فعل، ومجرّد الفعل لا يدل على الوجوب، قلنا: هذا صحيحٌ أنه مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، أما كونه مجرد فعلٍ فلأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يأمر بأن يكون الرمي بعد الزوال، ولا نهى عن الرمي قبل الزوال.
وأما كونُ الفعل لا يدلُّ على الوجوبِ، فنَعم لا يدلُّ على الوجوب لأن الوجوب لا يكون إلا بأمرٍ بالفعل أو نهي عن التركِ.
ولكن نقول: هذا الفعل دلت القرينة على أنه للوجوب، ووجه ذلك أن كون الرسول صلى الله عليه وسلّم يؤخر الرمي حتى تزول الشمس يدل على الوجوب، إذ لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لكان النبي صلى الله عليه وسلّم يفعله، لأنه أيسر على العباد وأسهلُ والنبي صلى الله عليه وسلّم ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فكونُه صلى الله عليه وسلّم لم يختر الأيسر هنا وهو الرمي قبل الزوال يدلُّ على إنه إثمٌ.
والوجه الثاني مما يدل على أن هذا الفعل للوجوب: كونُ الرسول صلى الله عليه وسلّم يرمي فور زوال الشمس قبل أن يُصلي الظهر، فكأنه يترقب الزوال بفارغِ الصبر ليبادرَ بالرمي، ولهذا أخّر صلاةَ الظهرِ مع أنَّ الأفضلَ تقديمها في أول الوقت، كل ذلك من أجل أن يرمي بعد الزوال مُباشرةً.