ج 19: هذا ليس بصحيحٍ، لأن الذين استدلُّوا بأنه لا يُرمَى بجمرةٍ قد رُمي بها، علّلوا ذلك بعللٍ ثلاث: قالوا إنها ـ أي الجمرةُ التي رُمي بها ـ كالماء المستعمل في طهارة واجبةٍ، والماء المستعمل في الطهارةِ الواجبة يكونَ طاهراً غيرَ مُطَهِّر، وإنها كالعبدِ إذا أُعتق فإنه لا يُعتَق بعد ذلك في كفّارة أو غيرها، وإنه يلزمُ من القولِ بالجوازِ أن يَرمِيَ جميعُ الحجيجِ بحجرٍ واحدٍ، فترمي أنتَ هذا الحجَرَ، ثم تأخذهُ وترمي، ثم تأخُذُه وترمي حتى تُكملَ السبعَ، ثم يجيءُ الثاني فيأخُذُهُ فيرمي حتّى يُكمل السبع، فهذه ثلاثُ عللٍ وكلُّها عند التأمُّل عليلةٌ جداً.
أما التعليلُ الأول: فإنّما نقولُ بمنع الحكمِ في الأصلِ، وهو أنّ الماءَ المستعملُ في طهارة واجبةٍ يكون طاهراً غيرَ مُطَهِّر لأنّه لا دليلَ على ذلك، ولا يُمكن نقلُ الماء عن وصفهِ الأصلِّي، وهو الطهوريّة إلا بدليلٍ.
وعلى هذا فالماء المستعملُ في طهارةٍ واجبةٍ طهورٌ مُطهِّرٌ، فإذا انتفى حُكمُ الأصلِ المقيس عليه، انتفى حكمُ الفرعِ.
وأما التعليل الثاني: وهو قياسُ الحصاةِ المرمي بها على العبد المُعتَق، فهو قياسٌ مع الفارقِ، فإن العبدَ إذا أُعتق كان حُرًّا لا عبداً، فلم يكن محلاً للعتقِ، بخلافِ الحجر إذا رُمي به فإنه يبقى حَجَراً بعد الرمي به، فلم يَنْتَفِ المعنى الذي كان من أجله صالحاً للرمي به، ولهذا لو أن هذا العبد الذي أُعتق استرقَّ مرةً أخرى بسبب شرعيٍّ جاز أن يُعتَقَ مرة ثانية.
وأما التعليلُ الثالث: وهو أنه يَلزَمُ من ذلك أن يقتصر الحجَّاج على حصاةٍ واحدةٍ، فنقولُ: إن أمكن ذلك فليكن ولكن هذا غيرُ مُمكنٍ، ولن يعدلَ إليه أحدٌ مع توفّر الحصا.
وبناءً على ذلك، فإنه إذا سَقَطَت من يدك حصاةٌ أو أكثر حولَ الجمراتِ فَخُذْ بَدَلهُا مما عندك، وارْمِ به سواءٌ غَلَبَ على ظنِّك أنه قد رُمي بها أم لا.