أمرتم بالجهاد، ما فيه حرج، إن قدرتم عليه فهو سهل، وإن لم تقدروا عليه فهو حرج مرفوع، إذ لا بد من القدرة والاستطاعة، هذا من القرآن. ومن السنة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وهذا عام في كل أمر؛ لأن قوله: (بأمر) نكرة في سياق الشرط فيكون للعموم، سواء أمر العبادات أو الجهاد أو غيره.
وأما الواقع فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله، وبقي على هذا ثلاث عشرة سنة لم يؤمر بالجهاد، مع شدة الإيذاء له ولمتبعيه عليه الصلاة والسلام، وقلة التكاليف، فأكثر أركان الإسلام ما وجبت إلا في المدينة، ولكن هل أمروا بالقتال؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأنهم لا يستطيعون، وهم خائفون على أنفسهم.
إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة خائفا على نفسه، وهذا معروف ولذلك لم يوجب الله عز وجل القتال إلا بعد أن صار للأمة الإسلامية دولة وقوة: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: آية 39] (?).
وقال -رحمه الله- في معرض حديثه عن الجهاد:
"لا بد فيه من شرط: وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة لأنهم عاجزون ضعفاء، فلما هاجروا إلى