فتلقي مثاله بالامتثال وقبل الأرض في مقام العبودية وقام وقال لتحط العلوم الشريفة والآراء العالية المنيفة أن صانع العالم تعالى وتعاظم وبنى أمور المبدأ والمعاد وما بينهما من معاشر مستفاد على دليلين عظيمين جليلين أحدهما العقل الذي هو مناط التكلف وثانيهما قواعد الشرع الشريف فان أردت أن تكون سعيد الدارين فاستمسك بأذيال هذين الدليلين أما العقل فهو الدليل القاطع على وجود الصانع وهو مستقل بالقطع إلى السمع غير محتاج إلى السمع وكما هو مستقل بالدلالة على وجود ذاته كذلك هو مستقل بالدلالة على تحقيق صفاته ثم ورد بذلك الشرع فتأكدت في وجود الصانع دلالة العقل بالسمع وأما وجدانية الصانع فكل من العقل والنقل دليل عليها قاطع وقد تظافرا بالاستباق إليه وتظاهرا في الدلالة عليه بقول الكافر يوم المصير لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير وبالعقل والسمع يستقيم أمر المبدأ والمعاش وبالسمع فقط مبيت المعاد عاش لأن أمور المعاد من الشرع تستفاد والعقل في ذلك تابع سامع لأوامر الشرع طائع والمسموع في ذلك دليل قاطع وعلى كل تقدير أيها الملك الكبير فاجعل العقل وزيراً تجده لك في ظلمات المشكلات سراجاً منيراً واتخذ النقل هادياً ونصيراً يكن بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً وعامل الرعية بالعدل يعاملك الله بالفضل وأعلم أن الدنيا في معرض الزوال وأنه لا بد عنها من الانتقال وأن الله سبحانه وتعالى وجل سلطانه جلالاً اقتضت حكمته وجرت بين عباده سنته أن يكون الإنسان على خلاف ما فطره الرحمن فانه خلقه