ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدواً له ما من صداقته بد
وعلى كل تقدير وأنت بهذا خبير وبدقائقه عليم أن الأولاد بين الأبوين وبين الآخرة سد عظيم ما يخلص مع الالتفاف إليهم لله طاعة ولا على الانقطاع منهم إلى طريق الآخرة وناهيك يا ذا الذكاء والفطنة أخبار من أنقذك من هذه المحنة إنما أموالكم وأولادكم فتنه فاسمع هذا الكلام بأذن التحقيق واسلك في سبر معانيه أوضح طريق وحقق يا ذا الإرشاد إن وجود الأولاد عند ذوي البصيرة من النقاد مزيف ومتاع مزخرف وسم تحت حلوى وسرور فوق بلوى وعارية مردودة بعد أوقات معدودة وأيام محدودة بل لعبة من خشب مموهة بالذهب وطلاء من نضار على كوب من فخار وقد نبه على هذا رب العباد بقوله إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد وكما أن الأطفال الصغار الغافلين عن دقائق الأسرار إذا نظروا إلى اللعبة المزينة والخشيبات المصبقة المستحسنة التهوا بها عن اكتساب الآداب وملازمة العلماء والمشايخ والكتاب فيبلغون وهم جاهلون وعن طرق اكتساب الكمال ذاهلون ويشيبون وهم أحداث ويتصورون أنهم طاهرون وهم أخباث كذلك كل من التفت إلى غير الله خاطره والتهت بأموره الدنيا من المال والولد سرائره وضمائره وحرم من الأطلاع على دقائق الملك والملكوت وفاته لذات الوقوف على دقائق الرغبوت والرهبوت فهو عن الله تعالى محجوب وفي عساكر الأموات وأن كان حياً محسوب كما قيل:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... وأجسادهم دون القبور قبور
وإن امرأ لم يحي بالعلم قلبه ... فليس له حتى النشور نشور