(وإنما أوردت) هذه القضية ليقف سامعها على مقدار الهمة العلية فلا يرضى الملك الهمام بالمنزلة الدينية ولا يقنع بالدرجة الوطية بل يجتهد في تكثير الجند والرعية وفتح الأقاليم العربية والعجمية ولا يقتصر على الحالة السوية وإنما يلازم طلب الارتقاء بكرة وعشية ويكون سعيه كالشكر يطلب المزيد وكما يستديم طلب الزيادة من مولاه يستديم زيادة العبيد والافينسب إلى قصور الهمة وإفلاس الذمة ونقصان الحرمة وبطلان الحشمه وأعظم بها من وصمه وبالعجز والتقصير يضيع حقوق الملك الخطير وتجد الرعية للطعن مقالاً وفي ميدان الأعراض عن الملك مجالاً وهذا خلاف موضع الإمامة وعكس ما تقتضيه
الرياسة والزعامة فان موضع السلطنة أن يتعاطى الملك مهما أمكنه من أسباب الفتح والفتوح وما يستميل به من الرعية القلب والروح وذلك بالإحسان والإكرام والبذل والإنعام فبه تقوى رغبتها وتزداد محبتها فإذا لم يكن ذلك فل المملوك عن الممالك واسمع قول الأديب ذي الرأي المصيب وهو:
إذا أهملت أمر العبد يوماً ... وقصرت العليق عن الحمار
توقف في المسير أبو زياد ... وقام العبد يجري للفرار
وقيل (والدر يقطعه جفاء الحالب) وقال أشرف جنس الإنسان علو الهمة من الإيمان فالرأي السديد عندي والذي بلغ إليه جهدي إنفاذ هذه العزيمة وسلوك طريقها القويمة وإبرازها من مكان القول إلى ظواهر العمل والحول والاعتماد على ما قيل: