فادى به الذهاب إلى بستان بجوار بيت القصاب فدخل البستان وامتد في الجريان والقصاب وراءه بهيئته المهولة والسكين في يده مسلولة وكان قبل هذا الزمان بين زوجة القصاب وصاحب البستان ما يكون بين الحرفاء والأخدان وكانت كلما وجدت فرصه جعلت للبستاني من نفسها حصة تنزل من بيتها إلى بيته وتغمس سراجها من فتيلة قنديله وزبته فاتفق أن في تلك الحال طلب كل من المحبين الوصال وكان زمان اشتعال اللحام بالمعاملة مع الخاص والعام فلاشتغال وهله لا يتردد فيه إلى أهله فاغتنمت الزوجة غفلة الرقيب ونزلت من بيتها إلى بيت الحبيب فكان المحبان آمنين وقد تعانقا تحت دوحة ياسمين فاتفق أن الهارب من الموت ودواهيه أخذ على مكان هما فيه والقصاب يتبعه رافعاً يده والسكين في يده مجردة فلم تشعر إلا وزوجها رافع الصوت واقف على رأسهما وبيده آلة الموت وما شعر بدواهيهما حتى عثر عليهما فقفز كلاهما من مكانهما مفتضحين في مكانهما فاشتغل القصاب بنفسه والتهى بنعجته عن تيسه وكان الناس تابعيه فوقفوا على ما وقع فيه وقامت الغوغاء وقعدت للعار من البلاء فتفرس النجاة من الردى فلم يزل في ميدان الجرى ذاهلاً عما جرى حتى وصل إلى ثغرة خرج منها إلى الصحراء فانقطع عن ذلك الجنى تابعه ولم يوجد من شياطين الأنس رائيه وسامعه فانتهى التيسار في تلك الصحاري والقفار إلى جبل فأوى فيه إلى غار كان يأوي إليه مع المواشي أو أن الأمطار فأمسى فيه تلك الليلة إلى وقت الأسفار:
فلما رأى الليل العبوس صنيعه ... تبسم فافترت تباشير فجره
فلما أصبح الصباح خرج إلى السراح وهو في نشاط ومراح وجعل يرتاد أنيساً ليكون له جليساً أو رفيقاً صالحاً أو صديقاً ناصحاً يتأنس به في