ثم اعلم يا ملك الرقاب أن كلاً من الثواب والعقاب له حد ومقدار مفهوم ينبغي للملك أن لا يتعدى لذلك حداً وعلى الملك أن يصغي للنصيحة ممن مودته صحيحه وقد جرب منه الصدق وعلم منه الإخلاص في النطق لاسيما إذا كان ذا عقل صحيح وود صريح ولا ينفر من خشونة النصيحة ومرارتها فبرودة الخاطر وسلامة القلب حرقة حرارتها فان الناصح المشفق كالطبيب الحاذق فان المريض الكئيب إذا شكا إلى الطبيب شدة ألمه من مرارة يصف له دواء مراً فيزيد حرارته فلا يجد بداً من شربه وأن كان في الحال ينهض بكربه لعلمه بصدق الطبيب وأنه في الرأي مصيب وما قصد بالدواء المر الضر وإنما قصد بألمه عوداً الحلاوة إلى فمه ولا يستحقر النصيحة أن كانت صادقة صحيحة ولا الناصح خصوصاً الرجل الصالح فان سليمان وهو من أجل الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام وأحد من ملك الدنيا وحكم على الجن والأنس والطير والوحش والهوام استشار نملة حقيرة فنجح في أمره وخالف وزيره آصف بن برخيا فابتلى بفقره وسلب من جميع ما ملك وصار كما قيل أجير الصياد السمك ثم قال الحكيم حسيب أيها الملك الحسيب وأنا لما رأيت أمور المملكة قد اختلت ومباشرى مصالح الرعية قلوبهم اعتلت ولعبوا بالثقيل والخفيف واستطال القوي منهم على الضعيف ومدوا أيديهم إلى الأموال بالباطل وأظهروا الحالي في حلية العاطل وخرجوا عن دائرة العدل واطرحوا أهل العلم والدين وتولى المناصب غير أهلها ونزلت المراتب إلى