فسل السكين وقصد قتل ذلك المسكين وصمم على النزول إلى البيت وإثارة الفتن بكيت وكيت ثم استناب وهله واستراب عقله وأخذ يتفكر ويتأمل ويتدبر واحتضر أحوال قرينته وأنها في العفة مجبولة من طينته وأنه لم يعلم عليها إلا الخير وعدم ميلها عن حلالها إلى الغير فطلب قبل الفضيحة لزوجته طريقة مندوحة ظريفة ممدوحة فإن مدة غيبته طالت وزوجته إن كانت حالتها حالت فلابد أولاً من الوقوف عليها كيف استحالت ثم كف عن الذبح ونزل عن السطح وقصد جارة داره ودارة جارة وطرق بابها واستنبح كلابها فخرجت إليه عجوز كانت إلى داره تجوز فسألت من هو وما مراده ومن أين إصداره وإيراده فقال: إني رجل غريب ليس لي بهذه البلدة خليل ولا قريب وبلادي أرض مكة كنت أتردد هذه السكة وأعامل التجار وكان لي في هذه المحلة مجير وجار من التجار الكبار كنت آوي إليه وأنزل في قدومي عليه اسمه فلان وقد مر علينا زمان وعاقني عنه نوائب الحدثان والآن قدمت إلى هذا المكان وقد قصدت داره ولا أدري أي جراه عاره ولم أعرف له خبراً ولا رأيت عيناً ولا أثراً فهل تعرفين كيف حاله وإلى ماذا آل مآله؟ فقال: نعم. زالت عنه النعم وألجأته الحال إلى الترحال فرحل منذ سنين وكنا في جواره من الآمنين وانقطع عنا خبره وعن زوجته عينه وأثره وطال عليها منظره ففسخت نكاحها واعتدت وطلبت تصيبها واستدت ولقد أوحشنا فرقاه وآلمنا اشتياقه غير أن زوجته قامت مقامه وأفاضت علينا إحسانه وإنعامه وهي متشوقة إلى رؤيته متشوفة إلى مطالع طلعته متلهفة على أيام وصاله متأسفة على ترشف زلاله فلما وقف على صورة الحال سجد شكر الله ذي الجلال وحمد الله على الثبات في مثل هذه النائبات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015