الرابع لا يؤاخذون المقصر في حال الغضب بل يرجئون عقوبته إلى أن يطفأ اللهب فربما يتعدى بواسطة الغضب الحد فيقع بسبب ذلك بين لأصحاب نكد ثم أن أبا نوفل قال لأخي نهشل المبادرة أولى إلى التلافي لئلا يسابق الجنود إلى تلافي وهذا المصاب إنما جاء بغتة وأخذ قلوبنا وأسماعنا بهتة فاستعمل فكرك القويم وتوجه إلى التدارك بقلب سليم فقال هاأنا أذهب على الفور لهذا المطلب النافع وأقوي العزيمة واجتهد في دفع الموانع فأول ما ابتدئ بقصد الملك وانظر ما يصدر منه قولاً وفعلاً في هذا الأمر المشتبك فأبني على ذلك ما يناسبه وأجاريه فيما يميل إليه خاطره ولا أجاذبه ثم توجه إلى الأسد ودخل عليه فوجد الدب جالساً بين يديه وقد بلغه قضية النديم وأنه حل به العذاب الأليم فاغتنم الفرصة وبادر ليتم على أبي نوفل الغصة ويتعاطى في أمره قصة وخصة فأراد أخو نهشل أن يفتتح الكلام ثم أفكر في أنه ربما يعاكسه الدب في المرام وأنه إذا قام في المناقضة لا يمكنه مقابلته المعارضة وإن سكت فالسكوت رضاً وإن وافق فعلى غير مراده مضى فأمسك عن الكلام ورأى السكوت مقتضى المقام ثم أمعن النظر وأجال قداح الفكر فرأى أنه إن انفصل المجلس من غير أن يفصح بشيء وينبس ربما يفوت المقصود أو يسابقه بالمعاكسة عدو أو حسود لا سيما مثل الوزير الرفيع الخطير صاحب الرأي والتدبير وهو عدو قديم وفي طرق الخزي نظيره عديم فإذا بادر بالكلام ربما يقع منه فلتة بمقام كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكنا