من كفايته عليه ومشغول ليلا ونهارا بمعاشرة نديميه فاتسع خيال الوزير وأخذ في مجال التفكير إلى النديمين لكونهما ناصحين قديمين ربما يصدر منهما عند الملك ما يحط منزلته ويفسدان للحسد الذي لم يخلو منه جسد صولته واستحوذ عليه هذا الخيال واتسع في ميدانه المجال فكان خائفا على وظيفته ومنصبه مترقبا ومنهما ما يكون عزله بسببه. فنشأ من ذلك في خاطره جساوة أورثته قساوة وجذبته إلى عداوة ووقر في قلبه ذلك وتأكد وطال عليه من الدهر الأمد فكان يترقب لهما الفرص ليوقعهما من الغصص في قفص ويسابقهما قبل انتيابه ويتغدى بهما قبل أن يتعشيا به ويقول لا بد من تنظيف الطريق قبل حصول التعويق.
وقد أحسن من قال واتقن في المقال:
ومن لم يزح عن دربه الشوك قبل أن ... يطأه فلا يعتب إذا شاك رجليه
وأقل الأقسام أن يبعدهما عن حضرة الملك الهمام، فاتفق أن في بعض الأسحار تجاذب الملك ونديماه أطراف الأسمار فأثر فيهم السهر لطيب السمر في ضوء القمر وحلاوة ما جنوا منه من ثمر عاملين بما قيل:
متى ما أصادف من أحب بخلوة ... أصرح بما أرجوه منه متكتما
يقول فأصغي أو أبث فينثني ... ليسمع قولي كالمشوق المتيم
أسامره لا إن أمل حديثه ... وآمره كل الأمور سوى نم
فأخذت الملك عيناه فاستند إلى متكاه فأنحل من طرفه وكاه فلم يتمالك أبو نوفل أن ضحك لما غنت زمارة الملك فتنبه من ضحكه وتعجب