"الفتنة: الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان، ومجاهدة الاعداء وسائر الطاعات الشاقة، وهجر الشهوات وبالفقر والقحط وأنواع المصائب في الأنفس والأمور، ومصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم" (?).
قال ابن كثير -رحمه الله-: (والاستفهام في قوله تعالى: {أحسب الناس} إنكاري ومعناه: أن الله سبحانه لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ماعندهم من الإيمان) (?) كما جاء في الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل،: يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء (?).
ولقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الابتلاء صفة لازمة للمؤمن، حيث قال: "مثل المؤمن كمثل الزرع لاتزال الريح تميله ولايزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز
حتى تستحصد" (?).
إن سنة الابتلاء جارية في الأمم والدول والشعوب والمجتمعات ولذلك جرت سنة الله بالابتلاء بالدولة العثمانية.
صمد العثمانيون لمحنة أنقرة بالرغم مما عانوه من خلافات داخلية، الى أن أنفرد محمد الأول بالحكم في عام 1413م، وأمكنه لم شتات الأراضي التي سبق للدولة أن فقدتها، إن إفاقة الدولة من كارثة أنقرة يرجع الى منهجها الرباني الذي سارت عليه حيث جعل من العثمانيين أمة متفوقة في جانبها العقدي والديني والسلوكي والأخلاقي والجهادي وبفضل الله حافظ العثمانيون على حماستهم الدينية وأخلاقهم الكريمة (?) ثم بسبب المهارة النادرة التي نظم بها أورخان وأخوه علاء الدين دولتها الجديدة وإدارة القضاء المثيرة للإعجاب والتعليم المتواصل لابناء وشباب العثمانيين وغير ذلك من الأسباب التي جعلت في العثمانيين قوة حيوية كاملة، فما لبثت هذه الدولة بعد كارثة أنقرة إلا انبعثت من جديد من بين الأنقاض والأطلال وانتعشت وسرى في عروقها ماء الحياة، وروح الشريعة، واستأنفت سيرها الى الامام في عزم وإصرار حير الأعداء والأصدقاء (?).