فَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْعَدَدِ عَلَى دَعْوَى الْقَطْعِ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ مُتَلَقَّى مِنَ السَّمْعِ، مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ إِلَى قَاطِعٍ فِي الشَّرْعِ، فَهَذَا مُسْتَحِيلٌ عَلَى الضَّرُورَةِ، لَا يُجَوِّزُهُ ذُو تَحْصِيلٍ، وَكَيْفَ يَجُوزُ ذُهُولُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَنِ اعْتِرَاضِ الظُّنُونِ الْهَاجِسَةِ فِي النُّفُوسِ، الْخَاطِرَةِ فِي أَدْرَاجِ الْفِكْرِ وَالْحُدُوسِ؟ ، حَتَّى يَحْسَبُوا الْمَظْنُونَ فِي الشَّرْعِ مَعْلُومًا، وَالْمَشْكُوكَ فِيهِ مَقْطُوعًا بِهِ مَفْهُومًا، وَيَتَّفِقُوا عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى يُوجِبُ الْقَطْعَ. هَذَا يَكُونُ تَجْوِيزُهُ هُجُومًا عَلَى جَحْدِ الضَّرُورِيَّاتِ، وَاقْتِحَامًا لِوَرَطَاتِ الْجَهَالَاتِ، وَخَرْقًا لِمُوجَبِ الْعَادَاتِ، فَأَمَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظُنُونِ جَمْعٍ أَمْرٌ عَنْ قَوْلِ رَجُلٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، مُسْتَقِيمِ الْحَالَةِ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ ظَانُّونَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدْعًا عُرْفًا وَشَرْعًا، وَإِنَّمَا الْمُسْتَحِيلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْعِلْمِ فِي السَّمْعِيَّاتِ، وَالْإِطْبَاقِ عَلَى ادِّعَاءِ الْيَقِينِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ، مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعٍ عَلَى قَاطِعٍ يَقْتَضِي الْإِجْمَاعَ مِنْ عَدَدٍ لَا يَجُوزُ مِنْهُمُ التَّوَاطُؤُ وَالتَّوَاضُعُ.
56 - فَإِنْ قِيلَ: قُصَارَى هَذَا الِانْفِصَالِ عَمَّا تُوُجِّهَ مِنَ السُّؤَالِ، أَنَّ الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَ مَذْهَبَ الْإِمَامِ لَا يَدَّعُونَ عِلْمًا، وَإِنَّمَا غَايَتُهُمْ