وَسَيِّدِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَاتِّقَادِ قَرِيحَتِهِ الْمُتَطَلِّعَةِ عَلَى حُجُبِ الْمُغْمَضَاتِ، وَمَسْتُورِ الْمُعْوِصَاتِ (215) فَهَذَا مَبْلَغٌ فِي صِفَاتِ الْمُفْتِينَ مُقْنِعٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
592 - وَلَا يَتِمُّ الْمَقْصِدُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، مَا لَمْ أُمَهِّدْ فِي أَحْكَامِ الْفَتْوَى قَاعِدَةً يَتَعَيَّنُ الِاعْتِنَاءُ بِفَهْمِهَا وَالِاهْتِمَامُ بِعِلْمِهَا وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ضَرْبٌ مِنَ النَّظَرِ فِي تَعْيِينِ الْمُفْتِي الَّذِي يُقَلِّدُهُ وَيَعْتَمِدُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ فِي مَسَائِلِهِ كُلَّ مُتَلَقِّبٍ بِالْعِلْمِ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ طَرَفًا صَالِحًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ (النِّظَامِيِّ) وَلَسْتُ أُعِيدَ مَا ذَكَرْتُهُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَلَكِنِّي آخُذُ فِي فَنٍّ آخَرَ لَائِقٍ بِهَذَا الْكِتَابِ، فَأَقُولُ:
593 - اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُ الْأُصُولِيِّينَ فِيمَا عَلَى الْمُسْتَفْتِي مِنَ النَّظَرِ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ عَلَى الْمُسْتَفْتِي أَنْ يَمْتَحِنَ مَنْ يُرِيدُ تَقْلِيدَهُ، وَسَبِيلُ امْتِحَانِهِ أَنْ يَتَلَقَّنَ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً تَلِيقُ بِالْعُلُومِ الَّتِي يُشْتَرَطُ اسْتِجْمَاعُ الْمُفْتِي