وَلَا بُدَّ مِنَ التَّبَحُّرِ فِيهِ، وَالِاحْتِوَاءِ عَلَى قَوَاعِدِهِ، وَمَآخِذِهِ وَمَعَانِيهِ.
ثُمَّ هَذَا الْفَنُّ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ نَقْلِ مَذَاهِبِ الْمَاضِينَ وَيَنْطَوِي عَلَى ذِكْرِ وُجُوهِ الِاسْتِدْلَالِ بِالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ مِنَ الْكِتَابِ، وَيَحْتَوِي عَلَى الْأَخْبَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَحْكَامِ التَّكَالِيفِ مَعَ الِاعْتِنَاءِ. بِذِكْرِ الرُّوَاةِ وَالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ.
فَإِنِ اقْتَضَتِ الْحَالَةُ مَزِيدَ نَظَرٍ فِي خَبَرٍ، فَالْكُتُبُ الْحَاوِيَةُ عَلَى ذِكْرِ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ عَتِيدَةٌ، وَمُرَاجَعَتُهَا مَعَ الِارْتِوَاءِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ يَسِيرَةٌ غَيْرُ عَسِيرَةٍ، وَأَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي الْفِقْهِ التَّدَرُّبُ فِي مَآخِذِ الظُّنُونِ فِي مَجَالِ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا [هُوَ] الَّذِي يُسَمَّى فِقْهَ النَّفْسِ، وَهُوَ أَنْفَسُ صِفَاتِ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ.
583 - وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ مِنَ الْعُلُومِ - الْعِلْمُ الْمَشْهُورُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ، وَمِنْهُ يُسْتَبَانُ مَرَاتِبُ (213) الْأَدِلَّةِ وَمَا يُقَدَّمُ مِنْهَا وَمَا يُؤَخَّرُ، وَلَا يَرْقَى الْمَرْءُ إِلَى مَنْصِبِ الِاسْتِقْلَالِ.
دُونَ الْإِحَاطَةِ بِهَذَا الْفَنِّ.
فَمَنِ اسْتَجْمَعَ هَذِهِ الْفُنُونَ فَقَدْ عَلَا إِلَى رُتْبَةِ الْمُفْتِينَ.
584 - وَالْوَرَعُ لَيْسَ شَرْطًا فِي حُصُولِ مَنْصِبِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ مَنْ رَسَخَ فِي الْعُلُومِ الْمُعْتَبَرَةِ، فَاجْتِهَادُهُ يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَقْتَضِيَ فِيمَا