ثُمَّ لَا يَتَقَرَّرُ الِاسْتِقْلَالُ بِالسُّنَنِ إِلَّا بِالتَّبَحُّرِ فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَالْعِلْمِ بِالصَّحِيحِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالسَّقِيمِ، وَأَسْبَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَمَا عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ فِي صِفَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنَ الرُّوَاةِ وَالثِّقَاتِ، وَالْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ، وَالتَّوَارِيخِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اسْتِبَانَةُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.
وَإِنَّمَا يَجِبُ مَا وَصَفْنَاهُ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَقَضَايَا التَّكْلِيفِ، دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْأَقَاصِيصِ وَالْمَوَاعِظِ.
574 - وَالرَّابِعَةُ - مَعْرِفَةُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَاضِينَ فِي الْعُصُرِ الْخَالِيَةِ، وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِمَذَاهِبِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَرُبَّمَا يَهْجُمُ فِيمَا يُجَرِّئُهُ عَلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَالِانْسِلَالِ عَنْ رِبْقَةِ الْوِفَاقِ.
575 - وَالْخَامِسَةُ - الْإِحَاطَةُ بِطُرُقِ الْقِيَاسِ وَمَرَاتِبِ الْأَدِلَّةِ ; فَإِنَّ الْمَنْصُوصَاتِ مُتَنَاهِيَةٌ مَضْبُوطَةٌ، وَالْوَقَائِعَ الْمُتَوَقَّعَةَ لَا نِهَايَةَ لَهَا.
576 - وَالسَّادِسَةُ - الْوَرَعُ وَالتَّقْوَى، فَإِنَّ الْفَاسِقَ لَا يُوثَقُ بِأَقْوَالِهِ، وَلَا يُعْتَمَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِ.