وَاعْتَزَلَ أَهْلَهُ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ، 108 - وَخَاضَ الْبِحَارَ، وَخَالَطَ الْعَجَاجَ، 109 - يَدْأَبُ فِي التَّكْرَارِ وَالْمُطَالَعَةِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، 110 - وَيُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِلتَّأْلِيفِ وَالتَّحْرِيرِ بَيَانًا وَمَقِيلًا،

ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاجْتِهَادُ.

الْمُرَادُ بِالتَّشْمِيرِ التَّهَيُّؤُ لِلْأَمْرِ وَفِي قَوْلِهِ سَاعِدُ الْجِدِّ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ وَتَخْيِيلِيَّةٌ وَتَرْشِيحِيَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَبَّهَ الْجِدَّ بِإِنْسَانٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ ثُمَّ أَثْبَتَ لِلْمُشَبَّهِ شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ السَّاعِدُ ثُمَّ أَثْبَتَ لِلسَّاعِدِ الْكَشْفَ وَالتَّشْمِيرَ عَلَى طَرِيقِ التَّرْشِيحِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْكَلَامَ كِنَايَةٌ عَنْ الِاهْتِمَامِ وَالِاعْتِنَاءِ بِأَمْرِ الْفِقْهِ. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْكِنَايَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ فَتَأَمَّلْ.

(107) وَاعْتَزَلَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ: الِاعْتِزَالُ مُطَاوِعٌ عَزَلْته فَاعْتَزَلَ أَيْ نَحَّيْته فَتَنَحَّى وَأَهْلُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ وَالشَّدُّ التَّقْوِيَةُ لِلْإِيثَاقِ.

(108) وَخَاضَ الْبِحَارَ وَخَالَطَ الْعَجَاجَ: الْخَوْضُ الدُّخُولُ فِي الْمَاءِ وَخَالَطَ مِنْ الْخَلْطِ وَهُوَ الْمَزْجُ مِنْ خَلَطَهُ فَأَخْلَطَهُ.

وَالْعَجَاجُ الْغُبَارُ وَالْإِبِلُ الْكَثِيرُ وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَنَالُ الْفِقْهَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُلُومِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ إلَّا مَنْ رَحَلَ فِي تَحْصِيلِهِ بَرًّا وَبَحْرًا.

(109) يَدْأَبُ فِي التَّكْرَارِ وَالْمُطَالَعَةِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا: جُمْلَةُ يَدْأَبُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَنَالُ، وَالدَّءُوبُ الْجِدُّ فِي الْعَمَلِ وَالتَّعَبُ.

وَالتَّكْرَارُ قِرَاءَةُ الْمَسَائِلِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِأَجْلِ الْحِفْظِ.

وَالْمُطَالَعَةُ مِنْ اطَّلَعَ عَلَى الْأَمْرِ عَلِمَهُ وَالْبُكْرَةُ بِالضَّمِّ الْغُدُوُّ وَالْأَصِيلُ الْعَشِيُّ وَالْجَمْعُ أُصُلٌ بِضَمَّتَيْنِ وَأُصْلَانٌ وَآصَالٌ وَأَصَائِلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ بَلْ هَذَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ ضَرَبْتُهُ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ أَيْ ضَرَبْت جَمِيعَهُ وَإِنَّمَا خَصَّ الْبُكْرَةَ وَالْأَصِيلَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَطَايِبِ الْأَوْقَاتِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَلِكَوْنِهِمَا مِنْ أَطَايِبِ الْأَوْقَاتِ خَصَّتْهُمَا الْخَنْسَاءُ بِتَذَكُّرِ أَخِيهَا فِيهَا حَيْثُ قَالَتْ:

يُذَكِّرُنِي طُلُوعُ الشَّمْسِ صَخْرًا ... وَأَذْكُرُهُ لِكُلِّ مَغِيبِ شَمْسٍ

(110) وَيُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِلتَّأْلِيفِ وَالتَّحْرِيرِ بَيَاتًا وَمَقِيلًا: عَطَفَ عَلَى جُمْلَةِ يَدْأَبُ وَنَصَبَ الشَّيْءَ رَفَعَهُ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الَّتِي يُعَبِّرُ عَنْهَا كُلُّ أَحَدٍ بِأَنَا.

وَالتَّأْلِيفُ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَتَحْرِيرُ الْكَلَامِ بَيَانُهُ بِالْكِتَابَةِ وَتَقْرِيرُهُ بَيَانُهُ بِالْعِبَارَةِ كَمَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ إلَّا أَنَّهُ فَسَّرَهُ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمِفْتَاحِ بِتَهْذِيبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015