اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ صَارَتْ كَأَنَّهَا مَشْرُوطَةٌ وَقْتَ التَّوْلِيَةِ.
قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ؛ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَذَلِكَ يُقَالُ إنَّ السُّلْطَانَ اعْتَمَدَ أَهْلِيَّتَهُ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُهُ خُصُوصًا إنْ كَانَ الْمُقَرَّرُ عَنْ مُدَرِّسٍ أَهْلٍ فَإِنَّ الْأَهْلَ لَمْ يَنْعَزِلْ وَصَرَّحَ الْبَزَّازِيُّ فِي الصُّلْحِ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَعْطَى غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ فَقَدْ ظَلَمَ مَرَّتَيْنِ؛ بِمَنْعِ الْمُسْتَحِقِّ وَإِعْطَاءِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ. وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ رِسَالَةَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ: إنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إلَّا بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ. وَعَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرْتَكِبُ نَوْعًا مِنْ الْفِسْقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ لَوْ اغْتَابَ الْإِمَامُ يُفَسَّقُ وَإِذَا فُسِّقَ بَطَلَتْ إمَامَتُهُ عِنْدَهُ فَلَا تَصِحُّ قَضَايَاهُ وَلَا تَوْلِيَتُهُ وَلَا قِسْمَتُهُ وَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَقْطَارِ إنَابَتُهُ وَلَوْ أَقَامَ حَدًّا لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ إقَامَتُهُ. وَعَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفِسْقِ لَا يَخْلُو أَحَدٌ سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا، وَلَوْ خُلِّيَ عَنْ التَّكَلُّمِ لَا يَخْلُو عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَلَوْ خُلِّيَ عَنْهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ غَيْرِهِمَا فَيُؤَدِّي إلَى فَسَادِ أَمْرِ الْعَالَمِ وَالْوُقُوعِ فِي الْحَرَجِ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] كَيْفَ وَقَدْ خَرَجَ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ تَوْقِيعُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ فَيَلِيكُمْ الْبَارُّ بِبِرِّهِ وَالْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» .
فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّ الْأُمَّةَ ضِعَافٌ لَا يَقْدِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْزَجِرَ عَنْ كُلِّ فِسْقٍ فِي الْعَالَمِ فَأَخْبَرَ بِمَا أَخْبَرَ وَأَمَرَنَا بِأَنْ نَسْمَعَ وَنُطِيعَ أَوَامِرَهُ لِلْوُجُوبِ هَذَا إذَا كَانَ مَسْتُورًا مُتَحَاشِيًا، أَمَّا إذَا كَانَ مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ.
وَأَمَّا شَرَائِطُ الِاسْتِحْبَابِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ: يَنْبَغِي مِنْ طَرِيقِ الدِّينِ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ الْعَالِمُ التَّقِيُّ الْوَارِعُ الْأَرْيَحِيُّ الْبَصِيرُ بِالْأُمُورِ الْعَالِمُ بِمَصَالِحِ الْجُمْهُورِ الْمُجَرِّبُ لِأُمُورِ الْحَرْبِ الْخَبِيرُ بِالطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، فَيَدْعُو إلَى الْمَكَارِمِ وَيَزْجُرُ النَّاسَ عَنْ الْفَوَاحِشِ وَالْقَبَائِحِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ