[الأنفال: 61] ففيها أيضًا قولان:
أحدهما: أنها دالة على مشروعية المصالحة والمهادنة مع المشركين إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين.
اختار هذا القول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى، وهو ظاهر اختيار البخاري رحمه الله تعالى، قال في آخر كتاب الخمس من صحيحه: باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره وإثم من لم يف بالعهد.
وقوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} قال الحافظ ابن حجر: معنى الشرط في الآية أن الأمر بالصلح مقيد بما إذا كان الأحظ للإسلام المصالحة، أما إذا كان الإسلام ظاهرًا على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا. انتهى.
والقول الثاني: أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وزيد بن أسلم، وعطاء الخراساني، وعكرمة، والحسن، وقتادة، ذكره عنهم الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره، وذكره البغوي عن الحسن وقتادة.
وأما آية الممتحنة وهي قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، فإنها دالة على جواز البر والإحسان إلى ضعفة المعاهدين؛ كالنساء والصبيان ونحوهم ممن ليس من أهل الشوكة والقتال، ولا سيما إذا كان الضعفة من الأقارب كما يرشد إلى ذلك سبب نزول الآية الكريمة،
وقد استدل بها البخاري رحمه الله تعالى على جواز الهدية للمشركين.