فصل
وقد رأيت لبعض المنتسبين إلى العلم في زماننا مقالاً زعم فيه أن ابتداء المشركين بالقتال على الإسلام غير مشروع، وإنما يشرع القتال دفاعًا عن الإسلام إذا اعتدى المشركون على المسلمين، أو حالوا بينهم وبين الدعوة إلى الإسلام، فحينئذ يحاربون، لا ليسلموا بل ليتركوا عدوانهم، ويكفوا عن وضع العراقيل في طريق الدعاة، فأما إذا لم يحصل منهم اعتداء، ولا وضع عراقيل في طريق الدعاة، فأساس العلاقة بينهم وبين المسلمين المسالمة والمتاركة.
زعم أيضا أن الإسلام لا يجيز قتل الإنسان وإهدار دمه وماله لمجرد أنه لا يدين به، كما لا يجيز مطلقا أن يتخذ المسلمون القوة من سبل الدعوة إلى دينهم، هذا حاصل مقاله.
وقد أطال الكلام في تقرير هذا الرأي الخاطئ، واستدل له بقول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، وبقوله تعالى {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء: 90]، وبقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]، وبقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، ثم قال: وهذا الرأي هو المعقول المقبول، وهو الرأي الذي تتفق معه نظرة علماء القانون الدولي في الأساس الذي تبني الدولة عليه علاقاتها بعضها