ورواه البخاري في التاريخ الكبير بنحوه.
وفي المسند وغيره، عن قزعة قال: أتيت ابن عمر -رضي الله عنهما- فقلت: إني أريد الطور، فقال: لا، إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى، فدع عنك الطور، فلا تأته.
فتحصل من ألفاظ هذه الأحاديث ثلاث صيغ: النفي، والنهي، والحصر، وكل واحدة من هذه الصيغ تفيد أنه لا يجوز السفر إلى زيارة شيء من القبور ولا المساجد والأماكن المعظمة، سوى المساجد الثلاثة، وباجتماع هذه الصيغ الثلاث يزداد المنع شدة، والله أعلم.
وقد أبى الجاهلون والغالون في القبور إلا أن يرتكبوا ما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك بشدهم الرحال إلى قبره، واتخاذهم بيته عيدًا، يعتادون المجيء إليه والاجتماع عنده، ويختلط الرجال بالنساء، ويضجون بالأصوات المرتفعة، ويسيئون الأدب مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]، فنهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن الجهر لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بالقول كما يجهر بعضهم لبعض، وأخبرهم أن ذلك من أسباب حبوط الأعمال الصالحة، لأنه خلاف ما أمر الله به من توقيره واحترامه وحسن الأدب معه، ثم أثنى تبارك وتعالى على الذين يوقرون رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويحترمونه ويستعملون أحسن الآداب معه، ووعدهم على ذلك المغفرة