والأحاديث وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، لتعلم عظم شأن الصلاة في المساجد مع الجماعة، وأن من استهان بها فقد عصى الله ورسوله، واستهان بدين الإسلام، ورغب عن سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وآثر طريقة غير طريقته التي كان عليها هو وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
وقد قال الإمام أبو محمد -الحسن بن علي بن خلف البربهاري، من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار، والإنكار على أهل البدع، ومن الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله تعالى- قال في شرح السنة: من ترك صلاة الجمعة والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع، والعذر؛ المريض الذي لا طاقة له بالخروج إلى المسجد، أو خوف من سلطان ظالم، وما سوى ذلك فلا عذر لك. انتهى.
وأما قول من قال من الفقهاء في قوله: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» وما شابهه من الأحاديث إن ذلك محمول على نفي الكمال، فقد أجاب عنه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى فقال: وأما ما يقوله بعض الناس: إن هذا لنفي الكمال، فيقال له: نعم هو لنفي الكمال، لكن لنفي كمال الواجبات أو لنفي كمال المستحبات.
فأما الأول فحق، وأما الثاني فباطل؛ لا يوجد مثل ذلك في كلام الله عز وجل ولا في كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - قط، وليس بحق، فإن الشيء إذا كملت واجباته فكيف يصح نفيه، وأيضًا فلو جاز لجاز نفي صلاة عامة الأولين والآخرين؛ لأن كمال المستحبات من أندر الأمور، وعلى هذا فما جاء من نفي الأعمال في الكتاب والسنة فإنما هو لانتفاء بعض واجباته، ثم ذكر