وإذا علم حاصل من اتبع البدعة ولم تسعه السنة فليعلم أيضا أن النية الواجبة في العبادات كلها محلها القلب باتفاق أئمة المسلمين، حكى ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه.
قال في جواب له: الجهر بلفظ النية ليس مشروعًا عند أحد من علماء المسلمين، ولا فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، ومن ادعى أن ذلك دين الله وأنه واجب فإنه يجب تعريفه الشريعة واستتابته من هذا القول، فإن أصر على ذلك قتل، بل النية الواجبة للعبادات كالوضوء والغسل والصلاة والزكاة والصيام والكفارة وغير ذلك محلها القلب باتفاق أئمة المسلمين، والنية هي القصد والإرادة، والقصد والإرادة محلهما القلب دون اللسان باتفاق العقلاء، فلو نوى بقلبه صحت نيته عند الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين من الأولين والآخرين، وليس في ذلك خلاف عند من يقتدي به ويفتي بقوله، ولكن بعض المتأخرين -من أتباع الأئمة- زعم أن اللفظ بالنية واجب ولم يقل إن الجهر بها واجب، ومع أن هذا القول خطأ صريح، مخالف لإجماع المسلمين؛ ولما عُلم بالاضطرار من دين الإسلام عند من يعلم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه، وكيف كان يصلي الصحابة والتابعون، فإن كل من يعلم ذلك يعلم أنهم لم يكونوا يتلفظون بالنية، ولا أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ولا علّمه لأحد من الصحابة، بل قد ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه قال للأعرابي: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن».