الكلام، والبيان هو كثرة الكلام، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيتوسعون في الكلام ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله. انتهى.
فهذا ونحوه من تكلف الفصاحة بالثرثرة، والتشدق، ومدح الناس وذمهم هو البيان المذموم، وهو الغالب على خطباء زماننا، والمتأكلين فيه بألسنتهم وأقلامهم.
وأما البيان الذي يوضح الحق ويقرره ويرغب فيه، ويبطل الباطل ويبينه وينفر منه فهو ممدوح مرغب فيه، وليس من السحر في شيء، وإنما السحر ما قصد به الباطل، وما اجتلبت به الأمور الدنيوية، والله أعلم.
وقد تقدم في أول الكتاب حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها» رواه الإمام أحمد، وأشار إليه الترمذي في جامعه.
وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة؛ لكونه - صلى الله عليه وسلم - أخبر عما سيقع في آخر الزمان، فوقع الأمر طبق ما أخبر به صلوات الله وسلامه عليه، وقد كثر هذا الضرب من الناس في زماننا، ودخل معهم كثير من المنتسبين إلى العلم والأدب، ولهم في تحصيل الحطام طرق شتى، فمنهم من يستعمل بلاغته وبيانه في الخطابة بين يدي الملوك والأكابر؛ فيتكلف الفصاحة وتحسين الكلام وتزويقه، ويتشدق فيه ويفخم به لسانه ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفًا، وأكثرهم لا يتقيد بالجائز من الكلام، بل يتعدى إلى المنهي عنه من إطراء الملوك والرؤساء ومدحهم بما ليس فيهم، وربما تعدَّى بعضهم