بطلان ذلك وعدم تأثيره، والنهي إنما يدل على المنع منه.
وفي صحيح مسلم، عن معاوية بن الحكم، أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ومنا أناس يتطيرون؟ قال: «ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم» فأخبر أن تأثره وتشاؤمه بالطير إنما هو في نفسه وعقيدته لا في المتطير به، فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده لا ما رآه وسمعه، فأوضح - صلى الله عليه وسلم - لأمته الأمر، وبين لهم فساد الطيرة؛ ليعلموا أن الله سبحانه لم يجعل لهم عليها علامة ولا فيها دلالة، ولا نصبها سببًا لما يخافونه ويحذرونه؛ لتطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله، وأنزل بها كتبه، وخلق لأجلها السماوات والأرض، وعمر الدارين الجنة والنار، فبسبب التوحيد ومن أجله جعل الجنة دار التوحيد وموجباته وحقوقه، والنار دار الشرك ولوازمه وموجباته، فقطع - صلى الله عليه وسلم - علق الشرك من قلوبهم؛ لئلا يبقى فيها علقة منها، ولا يتلبسوا بعمل من أعمال أهل النار البتة، فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى، واعتصم بحبله المتين، وتوكل على الله، قطع هاجس الطيرة من قبل استقرارها، وبادر خواطرها من قبل استمكانها.
قال عكرمة: كنا جلوسًا عند ابن عباس -رضي الله عنهما- فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير، خير، فقال له ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا خير، ولا شر. فبادره بالإنكار عليه؛ لئلا يعتقد لها تأثيرًا في الخير أو الشر.
وخرج طاوس مع صاحب له في سفر فصاح غراب، فقال الرجل: خير، فقال طاوس: وأي خير عند هذا؟! والله لا تصحبني. انتهى ملخصًا.