التتار مقامًا لم يقمه غيره، وبذل نفسه وماله في جهادهم ودفعهم عن حوزة المسلمين حتى كسر الله شوكتهم ويسر هزيمتهم على يد السلطان ومن معه من جنود مصر والشام، وكل ذلك بسبب الشيخ قدس الله روحه، فإنه ذهب بنفسه إلى السلطان وجنود مصر مستصرخا بهم على التتار، فاجتمع بأركان الدولة، وحضهم على الجهاد، وتلا عليهم الآيات والأحاديث، وأخبرهم بما أعد الله للمجاهدين من الثواب؛ فلبوا دعوته وسارعوا إلى لقاء العدو، ولما التقى الجمعان جعل الشيخ رحمه الله تعالى يوصي المسلمين بالصبر والثبات، ويحرضهم على القتال، ويعدهم النصر والظفر إن صبروا ويقسم على ذلك؛ فحقق الله أمله، وأبر قسمه، وصدق الله وعده، وأعز جنده، وهزم التتار وحده، ومنح المسلمين أكتافهم يقتلونهم كيف شاؤوا، ولم يفلت منهم إلا القليل، {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
فالله يجزيه الذي هو أهله ... من جنة المأوى مع الرضوان
قال ذلك فيه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية، وقال فيه أيضًا:
وله المقامات الشهيرة في الورى ... قد قامها لله غير جبان
نصر الإلهَ ودينَه وكتابَه ... ورسولَه بالسيف والبرهان
ولما اجتمع أبو حيان -شيخ النحاة في زمانه- بشيخ الإسلام أبي العباس قال: ما رأت عيناي مثله، ثم مدحه على البديهة في المجلس فقال: