غربه الاسلام (صفحة 487)

وانتعش بعد طول الخمول حتى استبشر أهل الأرض والسماء، وأبدر هلاله بعد أن دخل في المحاق، وثابت إليه روحه بعد أن بلغت التراق، وقيل من راق، واستنقذ الله بعبده وجنوده بيت المقدس من أيدي عبدة الصليب، وأخذ كل من أنصار الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من نصرة دينه بنصيب، وعلت كلمة السنة وأُذن بها على رؤوس الأشهاد، ونادى المنادي يا أنصار الله لا تنكلوا عن الجهاد، فإنه أبلغ الزاد ليوم المعاد، فعاش الناس في ذلك النور مدة حتى استولت الظلمة على بلاد الشرق، فقدّموا الآراء والعقول والسياسة والأذواق على الوحي، وظهرت فيهم الفلسفة والمنطق وتوابعهما، فبعث الله عليهم عبادا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وعاثوا في القرى والأمصار، وكاد الإسلام أن يذهب اسمه، وينمحي رسمه، وكان مشار هذه الفئة وعالمها الذي يرجع إليه وزعيمها المعول فيها عليه شيخ شيوخ المعارضين بين الوحي والعقل وإمامه في وقته نصير الشرك والكفر الطوسي، فلم يُعلم في عصره أحد عارض بين العقل والنقل معارضة رام بها إبطال النقل بالكلية مثله، فإنه أقام الدعوة الفلسفية، واتخذ الإشارات عوضا عن السور والآيات، وقال: هذه عقليات قطعية برهانية قد قابلت تلك النقليات الخطابية، واستعرض أهل الإسلام وعلماء الإيمان والقرآن والسنة على السيف، فلم يبقَ منهم إلا من قد أعجزه، قصدا لإبطال الدعوة الإسلامية، وجعل مدارس المسلمين وأوقافهم للنجسية السحرة، والمنجمين، والفلاسفة، والملاحدة، والمنطقيين، ورأى إبطال الأذان، وتحويل الصلاة إلى القطب الشمالي، فحال بينه وبين ذلك من تكفل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015