تنكر، ثم زاد الأمر حتى أُنكِر على من يُنكِر المنكر، وقُمع بعضهم وقُهر واضُطهد، وظهر مصداق ما جاء في حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - الذي رواه الطبراني وغيره مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها، حتى لا يرى فيها إلا الفقيه والفقيهان، فهما مقهوران ذليلان، إن تكلما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر قُمعا وقُهرا واضطهدا، فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعوانا وأنصارا».
وللشيخ يحيى بن يوسف الصرصري الحنبلي نظم حسن يصف فيه غربة الإسلام في زمانه، وهو يليق بأواخر القرن الرابع عشر أكثر مما يليق بالقرن السابع، قال رحمه الله تعالى:
نُح وابكِ فالمعروف أقفر رسمه ... والمنكر استعلى وأثر وسمه
لم يبق إلا بدعة فتّانة ... بهوى مضل مستطير سُمّه
وطعام سوء من مكاسب مُرَّة ... يُعمي الفؤاد بدائه ويُصمه
ففشا الرياء وغيبة ونميمة ... وقساوة منه وأثمر إثمه
لم يبق زرع أو مبيع أو شرا ... إلا أُزيل عن الشريعة حكمه
فلكيف يفلح عابد وعظامه ... نشأت على السحت الحرام ولحمه
هذا الذي وعد النبي المصطفى ... بظهوره وعدا توثق حتمه
هذا لعَمْرُ إلهك الزمن الذي ... تزداد شرته وينقص حلمه
وَهَت الأمانة فيه وانقصمت عرى الـ ... ـتقوى به والبر أدبر نجمه
كثر الريا وفشا الزنا ونما الخنا ... ورمى الهوى فيه فأقصد سهمه