غربه الاسلام (صفحة 151)

فصل: الاعتراض على وصف الغربة بكثرة تعداد المنتسبين إلى الإسلام والجواب عن ذلك

فصل

فإن قال قائل: لا نُسلِّم أن الإسلام قد عاد غريبا كما بدأ؛ لأننا نرى المنتسبين إلى الإسلام قد ملأوا مشارق الأرض ومغاربها، وقد ذكر المعتنون بإحصاء النفوس أن عدتهم الآن تبلغ أربعمائة ألف ألف تقريبا، ولا ريب أن المسلمين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبلغون عُشر هذا العدد، ولا نصف عشره، فكيف يقال والحالة هذه إن الإسلام قد عاد غريبا كما بدأ، وإن أهله الآن غرباء؟!

قيل: أما كثرة من ينتسب إلى الإسلام ويدَّعيه، وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها فهذا لا ينكره أحد، وليس الشأن في الانتساب والدعوى، وإنما الشأن في صحة ذلك وثبوته، وماذا يغني الانتساب والدعوى إذا عدمت الحقيقة؟! وقد جاء عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال: "كان يقال: إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، وإنما الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل" رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد، وكذلك يقال في الإسلام الحقيقي: إنه ليس بالانتساب والدعوى المجردة، فإن ذلك سهل يسير على كل أحد، وإنما الإسلام الحقيقي لزوم المحجة البيضاء التي ترك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أُمتَه عليها، فمن زاغ عنها فهو هالك.

إذا علم هذا فالكلام على الإيراد من وجوه:

أحدها: أن العدد المذكور ليس بشيء؛ إذ لا حقيقة لأكثره؛ وإنما يقوله بعض المنتسبين إلى الإسلام ليكاثروا به غيرهم من الأمم، وعند التحقيق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015