على وفْق الْإِرَادَة وَالِاخْتِيَار فَإِن تسخيره للمخلوقات وإبداعه للكائنات بِلَا آلَات وَلَا أدوات وتقليب الْخَلَائق بَين اطوار المرغبات والمنفرات على وَجه الطواعية حَالَة تنزل منزلَة القَوْل بِالْأَمر والنهى حَتَّى لَو عبر عَن تِلْكَ الْحَالة بالْقَوْل كَانَ ذَلِك أمرا ونهيا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان فَقَالَ لَهَا وللأرض ائتيا طَوْعًا أَو كرها قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين} وَلَيْسَ ذَلِك عبارَة إِلَّا عَن الانقياد والاستسخار إِذْ يتَعَذَّر أَن يكون ذَلِك خطابا فِي حق السَّمَاء أَو قولا لَهَا وَلذَلِك قد يشْتَد صفاء بعض النَّاس بِحَيْثُ يقرب اتصالها بالعقول الكروبية والنفوس الروحانية بِحَيْثُ يطلع على الْأَشْيَاء الغيبية من غير وَاسِطَة وَلَا تعلم يسمع من الْأَصْوَات وَيرى من الصُّور مَا لَا يرَاهُ من لَيْسَ من اهل مَنْزِلَته من الْبشر على مَا يرَاهُ النَّائِم فِي مَنَامه فَتكون حَالَته إِذْ ذَاك نازلة منزلَة مَا لَو أوحى إِلَيْهِ بِأَن الْأَمر الفلانى كَذَا وَكَذَا وَلَا مشاحة فِي الإطلاقات بعد انكشاف غور الْمَعْنى
واما الْمُعْتَزلَة فانهم لم يخالفوا فِي كَون البارى تَعَالَى متكلما وَفِي أَن لَهُ كلَاما وَلَكنهُمْ قَالُوا معنى كَونه متكلما وَأَن لَهُ كلَاما أَنه فَاعل للْكَلَام وَذَلِكَ صفة فعلية لَا صفة نفسية ثمَّ كَيفَ يكون متكلما بِمَعْنى قيام الْكَلَام بِهِ وَلَو كَانَ كَذَلِك فَالْكَلَام لَا محَالة مُشْتَمل على أَمر وَنهى وَخبر واستخبار وَنَحْوه وَهُوَ إِمَّا أَن يكون قَدِيما أَو حَادِثا فَإِن كَانَ قَدِيما أفْضى إِلَى إِثْبَات قديمين وَهُوَ مُمْتَنع كَمَا سلف ثمَّ إِنَّه يفضى إِلَى الْكَذِب فِي