الزكية من لَذَّة النَّعيم الْمُقِيم وَذَلِكَ بِسَبَب تنبهها لفَوَات مطلبها وانجذابها إِلَى الْعَالم السُّفْلى بِمَا اسْتَقر فِيهَا من تِلْكَ الرذائل واستحكم فِيهَا من صور تِلْكَ القبائح

وَإِن كَانَت مَعَ ذَلِك كُله مُسْتَقِرَّة على المجاحدة منكبة على اعتقادات فَاسِدَة فَإِنَّهَا تَجِد الْأَلَم مَا يزِيد ويربى على حَالهَا أَولا لاستحكام صُورَة نقيض الْحق فِي جوهرها وَتَكون حَالهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا الْأَلَم كحالة من يرجح لفساد مزاجه الْأَشْيَاء الكريهة على المستلذة فَإِنَّهُ إِذا صلح مزاجه وَزَالَ عَنهُ الْمَرَض وَهُوَ مُسْتَمر على أكل ذَلِك الشئ المستكره فَإِنَّهُ يجد من نَفسه تألما لَا يجده من لم تكن حَاله كحاله

قَالُوا وَيُشبه ان تتصل هَذِه الْأَنْفس الْفَاجِرَة بعد الْمُفَارقَة بِبَعْض الأجرام الفلكية فتتصور بِهِ نقيض مَا تتَصَوَّر الْأَنْفس الزكية الجاهلة فَيحصل لَهَا من الالم إِذْ ذَاك حسب مَا يحصل لتِلْك النُّفُوس الجاهلة الزكية من الالتذاذ وَالنَّعِيم

هَذَا كُله إِن كَانَت النَّفس الناطقة قد استعدت لقبُول كمالها قبل الْمُفَارقَة وتنبهت لمعشوقها وَإِن لم تكن قد استعدت لَهُ فهى لَا تَجِد بعد الْمُفَارقَة شَيْئا مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَذَلِكَ كَمَا فِي الْأَنْفس الساذجة كأنفس الصّبيان والمجانين وَنَحْوهمَا بل حَالهَا بعد الْمُفَارقَة وَإِن كَانَت حَالَة حُصُول الالتذاذ كحالها قبل الْمُفَارقَة فهى كمن خلق أكمه أَو عنينا فَإِنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015