رُبمَا تمسك بعض الْأَصْحَاب هَهُنَا بظواهر الْكتاب وَالسّنة وأقوال بعض الْأَئِمَّة وَلَا مطمع لَهَا فِي القطعيات وَلَا معول عَلَيْهَا فِي اليقينيات فَلذَلِك آثرنا الْإِعْرَاض عَنْهَا وَلم نشغل الزَّمَان بإيرادها
وَالصَّوَاب فِي هَذَا الْبَاب
أَن يُقَال لَو لم يكن فعل العَبْد بل غَيره من الموجودات الْحَادِثَة مَقْدُورًا للرب وداخلا تَحت قدرته للَزِمَ أَن يكون البارى تَعَالَى نَاقِصا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من لَهُ الْقُدْرَة عَلَيْهِ كَمَا مضى فِي الْإِرَادَة وَهُوَ محَال
وَلَئِن تشوفنا إِلَى بَيَان إمتناع إِضَافَة الْخلق إِلَى فعل العَبْد قُلْنَا لم يخل إِمَّا أَن يكون موجدا لَهُ بِالذَّاتِ أَو بالإرادة لَا جَائِز أَن يكون موجدا لَهُ بِالذَّاتِ وَإِلَّا لما برح فَاعِلا لَهُ وَهُوَ محَال خلاف مَا نشاهده وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ خلاف المذهبين وَلَا جَائِز أَن يكون موجدا لَهُ بالإرادة وَإِلَّا لما وجد دونهَا فكم من فعل يصدر من العَبْد ويعتقد كَونه مخلوقا لَهُ من غير إِرَادَة وَذَلِكَ كَمَا فِي حَالَة الْغَفْلَة والذهول وَنَحْوه وَالْقَوْل بِكَوْنِهِ مرِيدا فِي مثل هَذِه الْحَالة عين السفسطة فَإِنَّهُ لَو سُئِلَ هَل أردْت مَا فعلت لم يكن الْجَواب إِلَّا بِلَا كَيفَ وَأَن الْفِعْل بالإرادة من العَبْد يستدعى الْقَصْد وَالْقَصْد يستدعى مَقْصُودا وَالْمَقْصُود يستدعى كَونه مَعْلُوما وَهُوَ غير عَالم بِهِ لَا محَالة وَإِن علمه من وَجه لم يُعلمهُ من كل وَجه وَمَعَ ذَلِك فصدوره عَنهُ يكون على غَايَة من الْحِكْمَة والإتقان وعَلى سَبِيل