فَإِذا السَّبِيل فِي الدَّلِيل هَهُنَا لَيْسَ إِلَّا مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي مَسْأَلَة الْإِرَادَة وَقد عرفت وَجه تَحْقِيقه وَمَا يلْزم عَلَيْهِ لَكِن رُبمَا زَاد الْخصم هَهُنَا تشكيكات وخيالات لابد من الْإِشَارَة إِلَيْهَا والتنبيه على وَجه الِانْفِصَال عَنْهَا
فَمن ذَلِك قَوْله إِن مَا ذكرتموه إِنَّمَا يَسْتَقِيم أَن لَو ثَبت أَن السّمع وَالْبَصَر إدراكان زائدان على نفس الْعلم وَإِلَّا فَلَا نقص إِدْرَاك وَلَا قُصُور لكَون البارى تَعَالَى عَالما
وَبِمَ الْإِنْكَار على الكعبى حَيْثُ ذهب إِلَى ان السّمع وَالْبَصَر ليسَا بزائدين على نفس الْعلم لَا شَاهدا وَلَا غَائِبا بل الْمدْرك المسموع والمبصر هُوَ السَّامع المبصر بِعِلْمِهِ لَا بحاسته الَّتِى كَانَ حُصُول هَذَا الْعلم بواسطتها وهى الْمعبر عَنْهَا بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر كَيفَ وَأَنه لَو كَانَ الْمدْرك مدْركا بِإِدْرَاك زَائِد على الْعلم لجَاز أَن يكون بَين يدى الْإِنْسَان سليم الْبَصَر والسمع مرئيات وأصوات وَهُوَ لَا يَرَاهَا وَلَا يسْمعهَا لجَوَاز أَن لَا يخلق لَهُ ادراكها وَالْأَمر بِخِلَافِهِ ثمَّ لَو سلم أَن الْإِدْرَاك لَيْسَ هُوَ نفس الْعلم فَبِمَ الانكار على الجبائى فِي قَوْله إِن الْمدْرك هُوَ الحى الذى لَا آفَة بِهِ وَلَا نقص وَأَنه لَا معنى لَهُ إِلَّا هَذَا السَّلب
ثمَّ لَو سلم أَنه معنى إيجابى وَأمر إثباتى لكنه مِمَّا يمْتَنع ثُبُوته فِي حق البارى تَعَالَى من حَيْثُ إِنَّه لَا يَخْلُو أَن يكون قَدِيما أَو حَادِثا لَا جَائِز أَن يكون حَادِثا وَإِلَّا كَانَ البارى محلا للحوادث وَهُوَ مُمْتَنع وَلَا جَائِز أَن يكون قَدِيما وَإِلَّا للَزِمَ أَن يكون لَهُ مسموع ومبصر فِي الْعَدَم إِذْ السّمع وَالْبَصَر من غير مسموع ومبصر محَال وَذَلِكَ يفضى إِلَى القَوْل الْعَالم أَو أَن يكون مَا فِيهِ مسموعا ومبصرا فِي الْعَدَم وكلا الْأَمريْنِ