(آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) مع أنهم لم يؤمنوا طرفة عين؛ لأنهم نطقوا بالشهادة ثم ظهر كفرهم. أو نطقوا عند المؤمنين وكفروا بها عند شياطينهم. والحمل على أهل الردة بعيد ناب عنه المقام.
(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ... (4) هياكلهم لرواء منظرهم وجسامتهم، (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لفصاحة كلامهم، وحلاوة ألفاظهم. قيل: كان ابن أبي رأس المنافقين وبعض أتباعه جساماً وساماً فصحاء بلغاء. والخطاب في (رَأَيْتَهُمْ) إما لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أو عام، والأول أوجه؛ لتقدم (إِذَا جَاءَكَ)، ولأنه إذا أعجبته فغيره أولى. (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) إلى الحائط لعدم الانتفاع بها بوجه، أو كالأصنام المسندة إلى الحيطان في حسن الصور وبهجة المنظر. قرأ أبو عمرو، وقنبل، والكسائي بإسكان الشين إما مخفف خشب، أو جمع خشباء وهي الخشبة المجوفة. وهذا أخف وأقوى شبهاً. وناهيك بسفالة النفاق خلة حيث شبه أهله بجماد هذا شأنه، وشبه الكفار بالأنعام. (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) واقعة عليهم. وقيل: كانوا خائفين من أن ينزل فيهم ما يهتك أستارهم ويظهر أسرارهم، ويبيح دماءهم وديارهم. (هُمُ الْعَدُوُّ) لا غير. لأن أعدى العدو من يلقاك بوجه الصديق؛ لوقوفه على أسرارك، وتمكنه من إشاعة أخبارك. وقيل: (عليهم) صلة، و (هُمُ الْعَدُوُّ) المفعول الثاني، والتذكر باعتبار الخبر، وليس بوجه. (فَاحْذَرْهُمْ) خذ حذرك منهم ولا تغتر.
(قَاتَلَهُمُ اللَّهُ) لعنهم اللَّه. دعاء منه تعالى ينبئ عن فرط السخط. أو تعليم للمؤمنين. (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) يصرفون عن الحق. تعجيب عن العدول بعد موجب الإقبال والقبول.