كما لا يقاس على الضرائر الشعرية في متسع الكلام. ونقلت ما يناسب المقام عن "درة الغواص" للحريري، فقلت: ويقولون قد حدث أمر، فيضمون الدال من حدث مقايسة على ضمها في قولهم: أخذه ما حدث وما قدم، فيحرفون بنية الكلمة المنقولة ويخطئون في المقايسة المعقولة، لأن أصل بنية هذه الكلمة حدث على وزن فَعَلَ بفتح العين، كما أنشدني بعض أدباء خراسان لأبي الفتح البستي رحمه الله:
جزعت من أمر فظيع قد حدث ... أبو تميم هو شيخ لا حدث
قد حبس الأصلع في بيت الحدث
وإنما ضمت الدال من حدث حين قرن بقدم لأجل المجاورة والمحافظة على الموازنة، فإذا أفردت لفظة حدث زال السبب الذي أوجب ضم دالها في الازدواج، فوجب أن ترد إلى أصل حركتها وأولية صيغتها.
ثم قال الحريري: وقد نطقت العرب بعدة ألفاظ غيرت مبانيها لأجل الازدواج وإعادتها إلى أصولها عند الانفراد، فقالوا: الغدايا والعشايا إذا قرنوا بينهما، فإن أفردوا الغدايا ردوها إلى أصلها فقالوا الغدوات، وقالوا: هنأني الشيء ومرأني، فإن أفردوا مرأني قالوا أمرأني، وقالوا: فعلت به ما ساءه وناءه، فإن أفردوا قالوا أناءه، وقالوا أيضاً: هو رجس نجس، فإن أفردوا لفظة نجس ردوها إلى أصلها وقالوا: أنجس، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} 1 وكذلك قالوا للشجاع الذي لا يزايل مكانه: أهيس أليس، والأصل في الأهيس الأهوس لاشتقاقه من هاس يهوس إذا دق، فعدلوا به إلي الياء ليوافق لفظة أليس.
وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ راعى فيها حكم الموازنة، وتعديل المقارنة فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء المتبرزات في العيد: "ارجعن مأزورات غير مأجورات"2 وقال في عوذته للحسن والحسين عليهما السلام: "أعيذكما