فيه ولا قوة ولا عزيمة لم يؤثر فيه العلم.

السبب الثالث: قيام مانع، وهو إما حسد أو كبر، وذلك مانع إبليس من الانقياد للأمر، وهو داء الأولين والآخرين إلا من عصم الله، وبه تخلّف الإيمان عن اليهود الذين شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا صحة نبوته ومن جرى مجراهم، وهو الذي منع عبد الله بن أُبي من الإيمان، وبه تخلف الإيمان عن أبي جهل وسائر المشركين؛ فإنهم لم يكونوا يرتابون في صدقه وأن الحق معه، لكن حملهم الكبر والحسد على الكفر، وبه تخلف الإيمان عن أمية وأضرابه ممن كان عنده علم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

السبب الرابع: مانع الرياسة والملك، وإن لم يقم بصاحبه حسد ولا تكبر عن الانقياد للحق، لكن لا يمكنه أن يجتمع له الانقياد وملكه ورياسته، فيضن بملكه ورياسته؛ كحال هرقل وأضرابه من ملوك الكفار الذين علموا نبوته وصدقه، وأقروا بها باطناً، وأحبوا الدخول في دينه، لكن خافوا على ملكهم، وهذا داء أرباب الملك والولاية والرياسة، وقلَّ من نجا منه إلا من عصم الله، وهو داء فرعون وقومه، ولهذا قالوا: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} 1 أنِفُوا أن يؤمنوا ويتّبعوا موسى وهارون وينقادوا لهما وبنوا إسرائيل عبيد لهم، ولهذا قيل: إن فرعون لما أراد متابعة موسى وتصديقَه شاور هامان وزيره، فقال: بينا أنت إله تُعبد تصير عبداً تعبُد غيرك! فأبى العبودية واختار الرياسة والإلهية المحال.

السبب الخامس: مانع الشهوة والمال؛ وهو الذي منع كثيراً من أهل الكتاب من الإيمان خوفاً من بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير إليهم من قومهم، وقد كان كفار قريش يصدُّون الرجل عن الإيمان بحسب شهوته فيدخلون عليه منها، فكانوا يقولون لمن يحب الزنا [والفواحش] إن محمداً يُحرّم الزنا ويحرّم الخمر، وبه صدوا الأعشى الشاعر عن الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015