العالية، وتأهيلهم لمغفرة الذنوب والنجاة من الهاوية، وإعطاء تلك المراتب السامية، وجماهيرهم لما ألفت ذلك طباعهم، وفسدت به فطرهم، وعز عنه امتناعهم، لا يكاد يخطر ببال أحدهم ما يخطر ببال آحاد المسلمين من قصد الله تعالى، والإنابة إليه، بل ليس لذلك عندهم إلا الولي الفلاني، ومشهد الشيخ فلان، حتى جعلوا الذهاب إلى المشاهد عوضاً عن الخروج للاستسقاء، والإنابة إلى الله في كشف الشدائد والبلوى، كل هذا رأيناه وسمعناه عنهم.

قال: وقد حدث الشيخ مصطفى البولاقي أن بعض رؤساء الجامع الأزهر عاده لما اشتكى عينيه وقال له: هلاّ ذهبت إلى مولد الشيخ أحمد البدوي؟ فقد حُكي أن إنساناً شكا إليه ذهاب بصره، فسمع قائلاً يقول من الضريح أعطوه عين كذا وكذا!.

فانظر إلى ما خطر ببال هذا المتكلم من تعظيم هذا الميت، وتأهيله لتلك المطالب التي لا يقدر عليها إلا الله القاهر الغالب، وقصد الوساطة هنا على ما فيها ما أظنها تخطر بباله أصلاً، فهل سمعت عن جاهلية العرب مثل هذه الغرائب، التي ينتهي عندها العجب؟ والكلام مع زكي القلب يقظ الذهن قوي الهمة العارف بالحقائق، ومن لا ترضى نفسه بحضيض التقليد في أصول الديانات والتوحيد، وأما ميت القلب، بليد الذهن، وضيع النفس، جامد القريحة، ومن لا تفارق همته التشبث بأذيال التقليد والتعلق على ما يُحكى عن فلان وفلان في معتقد أهل المقابر والتنديد؛ فذاك فاسد الفطرة معتل المزاج، وخطابه محض عناء ولجاج.

قال: ومما بلغنا عن بعض علماء زبيد أن رجلين قصدا الطائف فقال أحدهما لصاحبه- والمسؤول ممن يترشح للعلم-: أهل الطائف لا يعرفون الله إنما يعرفون ابن عباس، فأجابه بأن معرفتهم لابن عباس كافية لأنه يعرف الله!

فأي ملة- صان الله ملة الإسلام- لا تمانع هذه الكفريات ولا تدافعها؟

وذكر الزبيدي أيضاً أن رجلاً كان بمكة عند بعض المشاهد قال لمن عنده:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015