وتلاطمت أمواج الضلالة، وخرقت سفينة الشريعة، واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة، وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف، ومالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف.
وفيه أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.
وقد أورد كلاماً حاصله: أن يلتجىء الإنسان في المهمات إليه تعالى، ثم قال: وفي الآية إعلام بأن الذنوب وإن جلت وعظمت فإن عفو الله تعالى وكرمه أعظم وأجل، وما ألطف قول أبي نواس غفر الله تعالى له:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فبمن يلوذ ويستجير المجرم
ومما ينسب للإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا ربي لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وكم في هذا التفسير الجليل الشأن من مسائل تتعلق بوجوب تحقيق توحيد الملك الديان، وإفراده سبحانه بأن يستغاث ويستعان.
وفي كتاب ابن أبي الدنيا- الذي ألفه في كلام المحتضرين- شيء كثير من كلام الصالحين، والأولياء والعارفين، الذي تكلموا في آخر عمرهم، وقدس حصروا الاستعانة والالتجاء به تعالى، وأنه لا ينبغي أن يستغاث بغيره، نظماً ونثراً، وقد أفرد له الغزالي باباً في "الإحياء"، وأتى الزبيدي في شرحه بملخص كتاب المحتضرين لابن أبي الدنيا، تركنا ذكره لطوله ولكونه متداولاً هذا الكتاب بين الناس.