وعطاءه وعطفه على طلاّبه المقترين، وفي هذا يقول يوم توديعه لأهل بغداد، وقد أتوا لتشييعه مع كبرائها طوائف كثيرة: "والله يا أهل بغداد لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كلّ غداة وعشية، ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية، ولقد ترك أبي جملة دنانير ودارًا، أنفقتها كلّها على صعاليك ممّن كان ينهض بالطلب عندي" (?).

هذا إِذًا السّبب الرئيس والدّافع القوي الجليّ؛ لخروج القاضي من بغداد، باحثًا عن حياة كريمة تعينه على دينه ودنياه، على أن بعض المؤرخين ذكروا أن سبب فراره من بغداد، كلامٌ قاله في الشّافعيّ، فطُلب فخاف على نفسه (?).

وتضارب المؤرّخون في صحة الخبر، لكن الملفت للنظر أن الذين ساقوا القصّة، بعيدون كلّ البعد زمانًا ومكانًا عن أحداثها، بينما الذين أرّخوا لها من الشّافعية البغداديين، لم يذكروا القصّة إطلاقًا، بل ولم نر أثرًا للتحامل عليه بسببها.

وبخروج القاضي عبد الوهّاب من بغداد، أفل نجم المالكية من مدينة السّلام.

وأمّا عن وجهة الرحلة: فقد ذكر القاضي عياض أنّها كانت إلى المغرب أوّلًا، غير أنّه لما وصل إلى مصر، ووصفوا له أخبار المغرب زهد فيه، وخاطبه ابنا الشّيخ ابن أبي زيد، ووصلاه بمال بسبب شرحه لتآليف أبيهما فلم يرضه، واستدعياه للمجيء فاعتذر، كما خاطبه فقهاء أهل القيروان في الوصول إليهم، فرغّبه في ذلك أبو عمران، وكسره عنه أبو بكر ابن عبد الرّحمن، وناشده أيضًا مجاهد الموفق صاحب دانية في الوصول إلى الأندلس، ولكن الأجل وافاه قبل الرحيل (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015