فأمّا مقدار ما يعطى، فقال: يعطى كفايته وعياله، ولم يبيّن مقداره بمدّة معيّنة.
وعندي أنّه يعطيه ما يغنيه حتّى تجب عليه الزَّكاة؛ لأنّه في حال من أخذ الزَّكاة الكثيرة فقير، وإنّما يستغني بأخذها، فلا فرق بين أن يستغني بما يأخذه من المدة اليسيرة أو الطويلة.
وقال أبو حنيفة: من ملك مائتي درهم أو قيمة ذلك سوى ثياب بدنه، وما يختص بمنفعته، مثل: داره، لم يحل له أخذ الزَّكاة.
وقال الشّافعيّ: يعطى ما يبلغ به أدنى الغنى.
وأدنى الغنى عنده: ما يغنيه عن النَّاس، وليس له حد محدود؛ لأنّه يختلف باختلاف أحوال النَّاس في قلة الكفاية وكثرتها [22/أ].
وبيان ذلك عنده: أن الرَّجل إذا كان عنده ألف درهم يتّجر بها، ويدخل عليه من ربحها كلّ يوم درهم ويكفيه وعياله، لم يحل له أخذ الصَّدقة؛ لأنّه مكفي، وإن كان يحتاج كلّ يوم إلى درهمين في الكفاية، زيدت له ألف درهم إلى ما عنده، حتّى يربح كلّ يوم درهمين كفايته وعياله.
وكذلك لو كانت مائة ألف درهم تجارة يربح فيها كلّ يوم خمسين درهمًا وكفايته كلّ يوم مائة درهم، أعطاه مائة ألف درهم أخرى، حتّى يربح كلّ يوم كفايته.
وعلى هذا يكون أبدًا من عنده مائة ألف، فقير يحل له أخذ الصَّدقة.
وقال سفيان الثّوريّ وأحمد وإسحاق: الغنى خمسون درهمًا، فإن لم يكن معه شيء أعطي خمسين، وإن كانت معه لم يعط شيئًا، وهو قول علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-، وينبغي إذا كانت معه أربعون، أن يعطى عشرة.
وقول مالك يوافقهم في أنّه إن كان عنده خمسون درهمًا، لم يعط؛ لأنّه قال: ويعطي من مَالُه أربعون درهمًا.