السجان إِلَى تلاميذه فَأدْخل بهم إِلَيْهِ فَسَلمُوا عَلَيْهِ وجلسوا عِنْده

فَنزل سقراط عَن السرير وَقعد على الأَرْض ثمَّ كشف عَن سَاقيه فمسحهما وحكهما وَقَالَ مَا أعجب فعل السياسة الإلهية حَيْثُ قرنت الأضداد بَعْضهَا بِبَعْض فَإِنَّهُ لَا يكَاد أَن تكون لَذَّة إِلَّا يتبعهَا ألم وَلَا ألم إِلَّا يتبعهُ لَذَّة

وَصَارَ هَذَا القَوْل سَببا لدوران الْكَلَام بَينهم فَسَأَلَهُ سيمياس وفيدون عَن شَيْء من الْأَفْعَال النفسية

وَكَثُرت المذاكرة بَينهم حَتَّى استوعب الْكَلَام فِي النَّفس بالْقَوْل المتقن المستقصى

وَهُوَ على مَا كَانَ يعْهَد عَلَيْهِ فِي حَال سروره وبهجته ومرحه فِي بعض الْمَوَاضِع

وَالْجَمَاعَة يتعجبون من صرامته وَشدَّة استهانته بِالْمَوْتِ

وَلم ينكل عَن تقصي الْحق فِي مَوْضِعه وَلم يتْرك شَيْئا من أخلاقه وأحوال نَفسه الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي زمَان أَمنه من الْمَوْت

وهم من الكمد والحزن لفراقه على حَال عَظِيمَة

فَقَالَ لَهُ سيمياس

إِن فِي التَّقَصِّي فِي السُّؤَال عَلَيْك مَعَ هَذِه الْحَال لثقلا علينا شَدِيدا وقبحا فِي الْعشْرَة وَأَن الْإِمْسَاك عَن التَّقَصِّي فِي الْبَحْث لحسرة غَدا عَظِيمَة مَعَ مَا نعدم فِي الأَرْض من وجود الفاتح لما نُرِيد

قَالَ لَهُ سقراط يَا سيمياس لَا تدعن التَّقَصِّي لشَيْء أردته فَإِن تقصيك لذَلِك هُوَ الَّذِي أسر بِهِ وَلَيْسَ بَين هَذِه الْحَال عِنْدِي وَبَين الْحَال الْأُخْرَى فرق فِي الْحِرْص على تقصي الْحق فَإنَّا وَإِن كُنَّا نعدم أصحابا ورفقاء أشرافا محمودين فاضلين فَإنَّا أَيْضا إِذْ كُنَّا معتقدين ومتيقنين للأقاويل الَّتِي لم تزل تسمع منا فَإنَّا أَيْضا نصير إِلَى إخْوَان أخر فاضلين أَشْرَاف محمودين مِنْهُم أسلاوس وأيارس وأرقيلس وَجَمِيع من سلف من ذَوي الْفَضَائِل النفسانية

وَلما تصرم القَوْل فِي النَّفس وبلغوا فِيهَا الْغَرَض الَّذِي أَرَادَ وسألوه عَن هَيْئَة الْعَالم وحركات الأفلاك وتركيب الأسطقسات فأجابهم عَن جَمِيعه

ثمَّ قصّ عَلَيْهِم قصصا كَثِيرَة من الْعُلُوم الإلهية والأسرار الربانية

وَلما فرغ من ذَلِك قَالَ

أما الْآن فأظنه قد حضر الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي لنا أَن نستحم فِيهِ وَنُصَلِّي مَا أمكننا وَلَا نكلف أحدا إحمام الْمَوْتَى فَإِن الأرماماني قد دَعَانَا وَنحن ماضون إِلَى زواس وَأما أَنْتُم فتنصرفون إِلَى أهاليكم

ثمَّ نَهَضَ وَدخل بَيْتا واستحم فِيهِ وَصلى وَأطَال اللّّبْث وَالْقَوْم يتذاكرون عَظِيم الْمُصِيبَة بِمَا نزل بِهِ وبهم من فَقده وَأَنَّهُمْ يفقدون فِيهِ حكيما عَظِيما وَأَبا شفيقا ويبقون بعده كاليتامى

ثمَّ خرج فَدَعَا بولده ونسائه وَكَانَ لَهُ ابْن كَبِير وابنان صغيران فودعهم ووصاهم وصرفهم

فَقَالَ لَهُ أقريطون

فَمَا الَّذِي تَأْمُرنَا أَن نفعله فِي أهلك وولدك وَغير ذَلِك من أَمرك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015