وجواب آخر: وهو أنه - تعالى - أراد أن يصف لنا شراب الجنة بشيء مما نعرفه بيننا، ووجدنا أشرف الأشربة عندنا هو الماء الذي هو طاهر مطهر، فوصف شراب أهل الجنة بأشرف شيء نعرفه. ألا ترى أنه - تعالى - ذكر الأشياء التي نعرفها في الدنيا ونستلذها من الخمر والعسل واللبن، وقال: {ولحم طير مما تشتهون}، وذكر الحور العين، وقال: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا}، وليس في الجنة بكرة ولا عشي، فكذلك هذا.
فأما ما روي عن عبد الله بن عمروا، وقوله: التيمم أحب إلي من ماء البحر. فإنه يحتمل تأويلين: أحدهما أنه أراد أنني أركب البر فأعدم الماء فأتيمم أحب إلي من أن أركب البحر فأتوضأ منه؛ وهذا لهو البحر وخطره.
ألا ترى أنه لما قال له عمر رضي الله عنه: صف لي أمر البحر. قال: خلق شديد، يركبه خلق ضعيف، دود على عود، إن ضاعوا هلكوا، وإن سلموا فرقوا. فامتنع عمر رضي الله عنه من أن يركبه أحد.