دَعَا كَاتِبًا لَهُ يَكتب بِالْعَرَبِيَّةِ، فَكتب إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ الْمُقَوْقِسِ عَظِيمِ الْقِبْطِ، سَلامٌ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ، وَفَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ فِيهِ، وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيًّا بَقِيَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالشَّامِ، وَقَدْ أَكْرَمْتُ رَسُولَكَ، وَبَعَثْتُ إِلَيْكَ بِجَارِيَتَيْنِ لَهُمَا مَكَانٌ فِي الْقِبْطِ عَظِيمٍ، وَبِكِسْوَةٍ، وَأَهْدَيْتُ لَكَ بَغْلَةً لِتَرْكَبَهَا، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ. وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا. وَلَمْ يسلم الجاريتان مارية وسرين وَالْبَغْلَةُ دُلْدُلٌ، بَقِيَتْ إِلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَتْ شهباء. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْمُقَوْقِسَ وَصَفَ لِحَاطِبٍ أَشْيَاءَ مِنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: الْقِبْطُ لا يُطَاوِعُونِي فِي اتِّبَاعِهِ، وَلا أُحِبُّ أَنْ تَعْلَمَ بِمُحَاوَرَتِي إِيَّاكَ، وَأَنَا أَضْمَنُ بِمُلْكِي أَنْ أُفَارِقَهُ، وَسَيَظْهَرُ عَلَى الْبِلادِ، وَيَنْزِلُ بِسَاحَتِنَا هَذِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، حَتَّى تَظْهَرَ عَلَى مَنْ هَاهُنَا، فَارْجِعْ إِلَى صَاحِبِكَ، فَقَدْ أَمَرْتُ لَهُ بِهَدَايَا وَجَارِيَتَيْنِ أُخْتَيْنِ وَبَغْلَةٍ مِنْ مَرَاكِبِي، وَأَلْفُ مِثْقَالٍ ذَهَبًا، وَعِشْرِينَ ثَوْبًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَرْتُ لَكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَخَمْسَةِ أَثَوْابٍ، فَارْحَلْ مِنْ عِنْدِي وَلا تُسْمِعْ مِنْكَ الْقِبْطُ حَرْفًا وَاحِدًا، فَرَحَلْتُ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ كَانَ لِي مُكْرِمًا فِي الضِّيَافَةِ، وَقِلَّةِ اللُّبْثِ بِبَابِهِ، مَا أَقَمْتُ عِنْدَهُ إِلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ. وَإِنَّ الْوُفُودَ وُفُودُ الْعَجَمِ بِبَابِهِ مُنْذُ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ.
قَالَ حَاطِبٌ: فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ضَنَّ الْخَبِيثُ بِمُلْكِهِ، وَلا بَقَاءَ لِمُلْكِهِ» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: اسْمُهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَاءَ، أَثْبَتَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الصَّحَابَةِ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِ. وَقَالَ: يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ، وَكَانَتْ شُبْهَتَهُ فِي إِثْبَاتِهِ إِيَّاهُ فِي الصحابة أولا رواية رواها ابن إسحق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله بن عتيبة قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْمُقَوْقِسُ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ فَكَانَ يَشْرَبُ فِيهِ.