عيون الاثر (صفحة 659)

وَأَقْبَلَ إِلَى الْغُلامِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ» . ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم، ثُمَّ وَافَوْا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ بِمِنًى سَنَةَ عَشْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ بَنُو أَبْذَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ الْغُلامُ الَّذِي أَتَانِي مَعَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ قَطُّ، وَلا حُدِّثْنَا بِأَقْنَعَ مِنْهُ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ اقْتَسَمُوا الدُّنْيَا مَا نَظَرَ نَحْوَهَا وَلا الْتَفَتَ إِلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَمُوتَ جميعا» فقال رجل منهم: أو ليس يَمُوتُ الرَّجُلُ جَمِيعًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تشعب أَهْوَاؤُهُ وَهُمُومُهُ فِي أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا، فَلَعَلَّ أَجَلَهُ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَوْدِيَةِ، فَلا يُبَالِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيِّهَا هَلَكَ»

قَالُوا: فَعَاشَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِينَا عَلَى أَفْضَلِ حَالٍ، وَأَزْهَدِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَقْنَعِهِ بِمَا رُزِقَ.

فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَنِ الإِسْلامِ قَامَ فِي قَوْمِهِ فَذَكَّرَهُمُ اللَّهَ وَالإِسْلامَ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَذْكُرُهُ وَيَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى بَلَغَهُ حَالُهُ وَمَا قَامَ بِهِ، فَكتب إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ يُوصِيهِ بِهِ خيرا. [1]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015