عيون الاثر (صفحة 570)

وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ مَعَ أَبِي سفيان بعد إسلامها إِلَى مَكَّةَ وَقَالَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيمٍ فَهُوَ آمِنٌ» - وَهِيَ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ- «وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» - وَهِيَ بِأَعْلَى مَكَّةَ- فَكَانَ هَذَا أَمَانًا مِنْهُ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.

وَلِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ مَكَّةَ مُؤْمِنَةٌ، وَلَيْسَتْ عَنْوَةٌ، وَالأَمَانُ كَالصُّلْحِ، وَرَأَى أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا مَالِكُونَ رباعهم، فلذلك كان يحيز كِرَاءَهَا لأَرْبَابِهَا وَبَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا، لأَنَّ مَنْ آمَنَ فَقَدْ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَذُرِّيَّتُهُ وَعِيَالُهُ، فَمَكَّةُ مُؤْمِنَةٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ، إِلَّا الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا مَتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّ فَتْحَ مَكَّةَ عَنْوَةٌ، لأَنَّهَا إِنَّمَا أُخِذَتْ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَالْخِلافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ أَخْذِ أَجْرِ الْمَسَاكِنِ بِمَكَّةَ أَوِ الْمَنْعِ مِنْهُ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ فِي مَكَّةَ أَنَّهَا مَنَاخُ مَنْ سَبَقَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الصُّورِيُّ بِمَرْجِ دِمَشْقَ قال: أنا أسد بْنُ سَعِيدِ بْنِ رَوْحٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ مَعْمَرِ بْنِ الْفَاخِرِ إِجَازَةً مِنْ أَصْبَهَانَ قَالا: أَخْبَرَتْنَا أُمُّ إِبْرَاهِيمَ فَاطِمَةُ الْجَوْزِدَانِيَّةُ سَمَاعًا قَالَتْ: أَنَا أبو بكر بن ربذة الضَّبِّيُّ قَالَ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَبَّادَانِيُّ، ثَنَا نَصْرُ بُْْن عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ محمد بن إسحق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيِّ، عْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى الكعبة ثلاثمائة وَسِتُّونَ صَنَمًا قَدْ شَدَّ لَهُمْ إِبْلِيسُ أَقْدَامَهَا بِرَصَاصٍ، فَجَاءَ وَمَعَهُ قَضِيبٌ، فَجَعَلَ يَهْوِي بِهِ إِلَى كُلِّ صَنَمٍ مِنْهَا فَيَخِرُّ لِوَجْهِهِ، فَيَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [1] حتى مر عليها كلها.

وَلا خِلافَ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِيهَا قَسْمٌ وَلا غَنِيمَةٌ وَلا سُبِيَ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدٌ، لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حُرْمَتِهَا، أَلَا تَرَى إِلَى

قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَكَّةُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ، لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثَمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالأَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا بَلْدَةٌ مُؤْمِنَةٌ، أَمِنَ أَهْلُهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ تَبَعًا لَهُمْ. وَقَالَ الأُمَوِيُّ: كَانَتْ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ بِيَدِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَلَمَّا مَرَّ بِهَا عَلَى أَبِي سُفَيْانَ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ سَعْدٌ إِذْ نَظَرَ إليه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015