عيون الاثر (صفحة 567)

لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ ... فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى فَأَهْتَدِي

هَدَانِيَ هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَدَلَّنِي ... على الله من طردته كُلَّ مُطَرَّدِ [1]

فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ وَقَالَ: «أَنْتَ طَرَّدْتَنِي كُلَّ مُطَرَّدٍ» . وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلامُهُ، فَيُقَالُ أَنَّهُ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمَ حَيَاءً مِنْهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ وَيَشْهَدُ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَيَقُولُ: «أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَلَفًا مِنْ حَمْزَةَ» ،

وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: لا تَبْكُوا عَلَيَّ فَلَمْ أَنْتَطِفْ [2] بِخَطِيئَةٍ مُنْذُ أسلمت. فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: نَزَلَهُ عِشَاءٌ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَوْقَدُوا عَشَرَةَ آلافِ نَارٍ، وَجَعَلَ عَلَى الْحَرَسِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَقَّتْ نَفْسُ الْعَبَّاسِ لأَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الْبَيْضَاءِ، فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا حَتَّى جِئْتُ الأَرَاكَ فَقُلْتُ لَعَلِّي: أَجِدُ بَعْضَ الْحَطَّابَةِ، أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ، أو ذا جاجة يَأْتِي مَكَّةَ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَخْرُجُوا إِلَيْهِ فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَنْوَةً، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَسِيرُ عَلَيْهَا إذا سَمِعْتُ كَلامَ أَبِي سُفْيَانَ، وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ نِيرَانًا قَطُّ وَلا عَسْكَرًا، قَالَ يَقُولُ: بُدَيْلٌ: هَذِهِ وَاللَّهِ، خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ [3] ، فَيَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَذَلُّ وَأَقَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانُهَا وَعَسْكَرُهَا، قَالَ: فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ فقلت: أنا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَعَرَفَ صَوْتِي فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ! قلت: نعم، قال: مالك فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ هَذَا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ، قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتَّى أَتِيَ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَأْمِنَهُ لَكَ، فَرَكِبَ خَلْفِي ورجع صاحباه، قال: فجئت به، كما مررت بنار من نيران

طور بواسطة نورين ميديا © 2015