ثم إِنَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ هَلَكَ عَنْ سِنٍّ عَالِيَةٍ مُخْتَلَفٌ فِي حَقِيقَتِهَا، قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ: أَدْنَاهَا فِيمَا انْتَهَى إِلَيَّ وَوَقَفْتُ عَلَيْهِ خَمْسٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً، ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ، وَأَعْلاهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ أَيْضًا عَنْ نَوْفَلِ بْنِ عُمَارَةَ قَالَ، كَانَ عُبَيْدُ بْنُ الأَبْرَصِ تِرْبَ [1] عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبَلَغَ عُبَيْدٌ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَبَقِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بَعْدَهُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ عَامِ الْفِيلِ، وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِ سِنِينَ، وَقِيلَ: بَلْ تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ ابن ثلاث سنين، وحكاه أَبُو عُمَرَ.
وَبَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَهْلِكِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يُوصِيهِ بِهِ فِيمَا يَزْعُمُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا طَالِبٍ أَخَوَانِ لأَبٍ وَأُمٍّ، فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ هُوَ الَّذِي يَلِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ جَدِّهِ فَكَانَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ مُقِلًّا مِنَ الْمَالِ، وَكَانَتْ لَهُ قطعَةٌ مِنَ الإِبِلِ تَكُونُ بِعُرَنَةَ [2] ، فَيَبْدُو إِلَيْهَا فَيَكُونُ فِيهَا، وَيُؤْتَى بِلَبَنِهَا إِذَا كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ، فَكَانَ عِيَالُ أَبِي طَالِبٍ إِذَا أَكَلُوا جَمِيعًا وَفُرَادَى لَمْ يَشْبَعُوا، وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبِعُوا، فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ يَقُولُ: كَمَا أَنْتُمْ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنِي، فَيَأْتِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ، فَيُفْضِلُونَ مِنْ طَعَامِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَبَنًا شَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُمْ، ثُمَّ تَنَاوَلَ الْقَعْبَ [3] فَيَشْرَبُونَ مِنْهُ، فيروون من عند أخرجهم من القعب الواحد،